للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال: الذي لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا.

وهذا هو المفتون الموصوف في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، كما أشار إلى ذلك الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى (١).

وبتفريط أهل الاحتساب من الدعاة يسود الفاسقون والمترفون وبهم تهلك القرى والأوطان. وتحذيرا من هذا المصير ومن أمثال هؤلاء يقول تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (٢).

ولا شك أن تجنب هذا المصير يوجب على الجميع بحسب مراتبهم وقدراتهم أن يعملوا لإشاعة الخير وإبطال الشر، وأن يؤدوا وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ أن مدارها أن يكون الدين كله لله، وأن يعيش المجتمع في ظل نظام الإسلام، لأن ترك ذلك من أعظم الفتن التي أمر الله تعالى بالقتال لمنع حدوثها- قال جل شأنه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} (٣).

وكان علماء الأمة وأمراؤها يدركون خطورة الغفلة عن الاحتساب وترك الأمر فوضى للجهال والعصاة. كان الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز يحذر جلساءه من مصير الغافلين، التاركين للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان يقرأ لهم رحمه الله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} (٤).

كما كان غيره من السلف يتلو دائما في مواعظه قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (٥).


(١) الحسبة في الإسلام أو وظيفة الحكومة الإسلامية، دار الكتاب العربي، ص ٦٣.
(٢) سورة الإسراء الآية ١٦
(٣) سورة الأنفال الآية ٣٩
(٤) سورة الذاريات الآية ٥٠
(٥) سورة النور الآية ٦٣