للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المؤمنين، فإن كانت له حاجة كنت قريبا منه. ثم انطلقنا فضربنا برؤوسنا لطول سهرنا، فلما انفتح النهار استيقظت فتوجهت إليه، فوجدت مرثدا خارجا من البيت نائما، فأيقظته فقلت: يا مرثد ما أخرجك؟ قال: هو أخرجني قائلا لي: اخرج عني، فوالله إني لأرى شيئا ما هو بإنس ولا جان. فخرجت فسمعته يتلو هذه الآية: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (١). قال مرثد: فدخلت عليه فوجدته قد وجه نفسه للقبلة وأغمض عينيه وإنه ميت رحمه الله (٢).

وكان ذلك لعشر بقين - وقيل: لخمس بقين - من رجب سنة إحدى ومائة، وله حينئذ تسع وثلاثون سنة وستة أشهر (٣).

وذهب شهيد العدالة والمبادئ السامية التي أقرها الإسلام وأراد تطبيقها كاملة لإسعاد البشرية، وظلت سيرته ماثلة في أذهان الناس وفي قلوبهم، واسمه يملأ الأزمان وشهد له الأعداء قبل الأصدقاء، وحزن عليه المسلمون حزنا شديدا، ورثاه الشعراء، قال جرير بن عطية:

ينعي النعاة أمير المؤمنين لنا ... يا خير من حج بيت الله واعتمرا

حملت أمرا عظيما فاصطبرت له ... وسرت فينا بأمر الله يا عمرا

فالشمس كاسفة ليست بطالعة ... تبكي عليك نجوم الليل والقمرا (٤)

رحم الله عمر، وكل من سار بسيرته وعدل كعدله وزهد كزهده.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أحمد فهيم مطر


(١) سورة القصص الآية ٨٣
(٢) الطبري ج ٦ ص ٧٧٦، ابن عبد الحكم ص ١١٦، ١٧٧، ابن سعد ج ٥ ص ٣٠١.
(٣) تاريخ الخلفاء ص ٢٢٨.
(٤) ديوان جرير ص ٢٣٥.