للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (١) المائدة / ٣.

فلقد وقف - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة في حجة الوداع ومعه جمع كبير من أصحابه، فذكرهم ووعظهم، وبين لهم ما على العبد من حقوق لله وحقوق لعباده، وكان - صلى الله عليه وسلم - في كل أمر يقول لهم: ألا هل بلغت، اللهم فاشهد، ثم انتقل - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى بعد أن بلغ الرسالة أتم بلاغ، وأدى الأمانة أتم أداء، ونصح للأمة النصح البالغ، وبين لهم حبائل الشيطان ووساوسه وخواطره ومكائده، ومداخله على العباد.

لا شك أن الابتداع الطريق القصير إلى تشويه الدين، وطمس معالم الإشراق فيه، والتحكم على الله وعلى رسوله، والاشتراك مع الله تبارك وتعالى في التشريع بما لم يأذن به الله، وفضلا عن هذا الأثر السيئ للابتداع؛ فإنه يستلزم أمورا مهينة أهمها ما يلي:

أولا: القول بلسان المقال أو بلسان الحال أن الدين ناقص، وأن هناك جوانب تكميلية ينبغي الأخذ بها تكملة للدين، وفي هذا رد قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (٢)

كما أن فيه تكذيبا لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك (٣)»، فإن من يبتدع يعترف أن لا سند لبدعته من كتاب ولا سنة، ولكنه يدعي أنها عمل صالح. فما صلاح عمل لم يأمر به الله ولم يفعله رسول الله؟! وما صلاح عمل يراد به إكمال ما أكمله الله على أتم وجه ورضيه؟! ولكنها وساوس الشيطان وهمزاته.

ثانيا: إن الابتداع يستلزم القدح في إبلاغ رسول الله رسالة ربه، فلقد أرسل الله بالهدى ودين الحق، وأمره بإبلاغ الرسالة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (٤) المائدة / ٦٧،


(١) سورة المائدة الآية ٣
(٢) سورة المائدة الآية ٣
(٣) سنن ابن ماجه المقدمة (٤٤).
(٤) سورة المائدة الآية ٦٧