للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بيتي بخباء أخضر، فأقبل أبو أيوب مسرعا فاطلع فرأى البيت مستترا بخباء أخضر، فقال: يا عبد الله، أتسترون الجدر؟ فقال أبي - واستحيا -: غلبتنا النساء يا أبا أيوب، فقال: من خشيت أن يغلبنه فلم أخش أن يغلبنك، ثم قال: لا أطعم لكم طعاما، ولا أدخل لكم بيتا، ثم خرج، رواه الأثرم.

وروي عن عبد الله بن يزيد الخطمي أنه دعي إلى طعام فرأى البيت منجدا فقعد خارجا وبكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا قد رقع بردة له بقطعة أدم، فقال: تطالعت علينا الدنيا، ثلاثا، ثم قال: أنتم اليوم خير أم إذا غدت عليكم قصعة وراحت أخرى، ويغدو أحدكم في حلة ويروح في أخرى، وتسترون بيوتكم كما تستر الكعبة (١)».

قال عبد الله: أفلا أبكي وقد بقيت حتى رأيتكم تسترون بيوتكم كما تستر الكعبة، وقد روى الخلال بإسناده عن ابن عباس وعلي بن الحسين «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن تستر الجدر»، وروت عائشة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمرنا فيما رزقنا أن نستر الجدر (٢)» انتهى.

الوجه الثامن: قوله: وإنا لنجد فوق ذلك منهم من يعد قول المسلم: " سيدنا محمد " بدعة لا تجوز، ويغلون في ذلك غلوا شديدا.

والجواب عن ذلك أن نقول: هذا كذب من القول، فعلماء الدعوة يثبتون ما ثبت للنبي - صلى الله عليه وسلم - من الصفات الكريمة، ومنها أنهم يعتقدون أنه سيد ولد آدم وأفضل الخلق على الإطلاق، لكنهم يمنعون الغلو في حقه - صلى الله عليه وسلم - عملا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم (٣)»، ويمنعون الابتداع، ومن ذلك أن يقال: سيدنا في المواطن التي لم يرد قول ذلك فيها، كالأذان والإقامة والتشهد في الصلاة وكذا رفع الأصوات قبل الأذان بقول: اللهم


(١) سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (٢٤٧٦).
(٢) سنن أبو داود اللباس (٤١٥٣).
(٣) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (٣٤٤٥)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٤٧).