وقال:(إن الله سبحانه لما ذكر حال من يقول على الله بلا علم بل تقليد السلف، ذكر حال من يكتم ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد ما بينه للناس في الكتاب، فقال:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (١).
فهذا حال من كتم علم الرسول، وذلك حال من عدل عنها إلى خلافها، والعادل عنها إلى خلافها يدخل فيه من قلد أحدا من الأولين والآخرين فيما يعلم أنه خلاف قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - سواء كان صاحبا أو تابعا أو أحد الفقهاء أو غيرهم.
ومن ادعي إجماعا يخالف نص الرسول من غير نص، يكون موافقا لما يدعيه، واعتقد جواز مخالفة أهل الإجماع للرسول برأيهم، وأن الإجماع ينسخ النص، كما تقوله طائفة من أهل الكلام والرأي، فهذا من جنس هؤلاء.
وقال - رحمه الله -: (وكثير من الفقهاء المتأخرين أو أكثرهم يقولون: إنهم عاجزون عن تلقي جميع الأحكام الشرعية من جهة الرسول؛ فيجعلون نصوص أئمتهم بمنزلة نص الرسول ويقلدونهم، ولا ريب أن كثيرا من الناس يحتاج إلى تقليد العلماء في الأمور العارضة التي لا يستقل هو بمعرفتها، ومن سالكي طريق الإرادة والعبادة والفقر والتصوف من يجعل شيخه كذلك، بل قد يجعله كالمعصوم، ولا يتلقى سلوكه إلا عنه، ولا يتلقى عن الرسول سلوكه، مع أن تلقي السلوك عن الرسول أسهل من تلقي الفروع المتنازعة فيها، فإن السلوك هو بالطريق التي أمر الله بها ورسوله من الاعتقادات والعبادات والأخلاق، وهذا كله مبين في الكتاب والسنة، فإن هذا بمنزلة الغذاء الذي لا بد للمؤمن منه.
ولهذا جميع الصحابة يعلمون السلوك بدلالة الكتاب والسنة والتبليغ عن الرسول، ولا يحتاجون في ذلك إلى فقهاء الصحابة) إلى أن