للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استهدفت أول ما استهدفت النيل من مقدسات المسلمين في الحرمين الشريفين، وذلك بانتزاع الأماكن المقدسة المسيحية في القدس من أيدي المسلمين، وإثارة الطوائف المسيحية ضد الإسلام والمسلمين، وبعد أن يتم لهم ذلك ويقيموا مملكتهم في بيت المقدس يباشرون جهودهم في تنصير المسلمين، واقتلاع الإسلام من نفوسهم، وإحلال المسيحية محله، وحينئذ تأخذ المقدسات المسيحية صدارتها، وتتجه أنظار العالم نحوها.

إذن فإن دوافع الحروب الصليبية والتي أطلقوا عليها الحرب المقدسة لم تكن دوافع اقتصادية أو سياسية أو حربية بقدر ما كانت دوافع أملاها الحقد والكراهية والتعصب الأعمى البغيض؛ فهي حرب أمة تجاه أمة، وحرب دين تجاه دين، وتشير أحداث التاريخ إلى محاولات الصليبيين المتكررة لغزو بلاد الحجاز، ففي عام ٥٧٧هـ قامت المحاولة الأولى بقيادة أرناط صاحب إمارة الكرك، وكان هدفه الأساسي من الغزو هو ضرب المسلمين في مقدساتهم - الحرمين الشريفين - والاستيلاء على طريق الحج البحري والسيطرة عليه، ولكن باءت هذه الحملة بالفشل بعد أن تصدى لها الأيوبيون، ثم تكررت محاولته الثانية في العام التالي إذ تمكن الصليبيون من النزول بأسطولهم على ساحل الحوراء قرب ينبع، وغزوا المناطق المجاورة وجدوا في المسير حتى أصبحوا على بعد مسيرة مرحلة واحدة من المدينة المنورة، يريدون دخولها ونبش قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإخراج جسده الطاهر من قبره، ثم نقله إلى بلادهم ودفنه عندهم حتى لا يستطيع المسلمون زيارته (١)، إلا أنهم لم يحققوا أهدافهم، وحفظ الله نبيه من كيدهم، وحلت بهم الهزيمة والأسر على أيدي صلاح الدين ورجاله، وجعل منهم عبرة لكل من تسول له نفسه بالاعتداء على الحرمين إذ أمر بنحر بعضهم في منى كما تنحر الهدي، ثم أمر بقتل الباقين بعد أن طيف بهم في شوارع مدينة الأسكندرية عام ٥٧٨هـ.


(١) أي زيارته من المدينة أو بدون شد رحل، بخلاف الزيارة مع شد الرحل؛ فإن الصحيح عدم جوازها.