للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(مسألة) والأسير في دار الحرب إن عرف رمضان لزمه صيامه إن كان مقيما؛ لأنه مخاطب بصومه في القرآن، فإن سوفر به أفطر ولا بد؛ لأنه على سفر وعليه قضاؤه لما ذكرنا قبل، فإن لم يعرف الشهر وأشكل عليه سقط عنه صيامه، ولزمته أيام أخر إن كان مسافرا، وإلا فلا، وقال قوم: يتحرى شهرا ويجزئه. وقال آخرون: إن وافق شهرا قبل رمضان لم يجزئه، وإن وافق شهرا بعد رمضان أجزأه؛ لأنه يكون قضاء عن رمضان.

قال علي: أما تحري شهر فيجزئه أو يجعله قضاء فحكم لم يأت به قرآن ولا سنة صحيحة ولا رواية سقيمة ولا إجماع ولا قول صاحب، وما كان هكذا فهو دعوى فاسدة لا برهان على صحتها، فإن قالوا: قسناه على من جهل القبلة قلنا: هذا باطل؛ لأن الله تعالى لم يوجب التحري على من جهل القبلة، بل من جهلها فقط سقط عنه فرضها، فيصلي كيف شاء، فإن قالوا: قسناه على من خفي عليه وقت الصلاة قلنا: وهذا باطل أيضا؛ لأنه لا تجزئه صلاة إلا حتى يوقن بدخول وقتها.

قال أبو محمد: وبرهان صحة قولنا: قول الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (١).

فلم يوجب الله تعالى صيامه إلا على من شهده، وبالضرورة ندري أن من جهل وقته فلم يشهده، قال الله عز وجل:

{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (٢).

وقال تعالى:

{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (٣).

فمن لم يكن في وسعه معرفة دخول رمضان فلم يكلفه الله تعالى صيامه بنص القرآن، ومن سقط عنه صوم الشهر فلا قضاء عليه؛ لأنه صوم غير ما أمر الله تعالى به.


(١) سورة البقرة الآية ١٨٥
(٢) سورة البقرة الآية ٢٨٦
(٣) سورة الحج الآية ٧٨