للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى معارج الكمال والتحليق في أجواء العلم والعرفان، وتعودها الصبر والثبات والقوة والعزة، وتصفيها من الشوائب المادية والعوائق الجسمية، وتبغض إليها المآثم والمنكرات، وتحبب إليها الفضائل والمكرمات. وقد بني تشريع الصوم كما بني التشريع الإسلامي عامة على السماحة والتيسير والطاقة والرفق بالناس، فلم يكن فيه إعنات ولا إرهاق، ولم يكن فيه حرج ولا عسر، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (١).

وقال في الصوم:

{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (٢).

وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم (٣)». وفي الحديث الصحيح: «سددوا وقاربوا (٤)».

هذه السماحة وهذا اليسر قد ظهرا جليا في فريضة الصوم في الترخيص بالفطر للمسافر، ولو كان صحيحا؛ لما يلازم السفر غالبا من المشقات والمتاعب، وللمريض لضعف احتماله وحاجته إلى الغذاء والدواء حتى لا تتفاقم علته، أو يبطئ برؤه، ولمن ماثلهما في الضرورة والاحتياج إلى الفطر؛ كالحامل التي تخاف على نفسها أو جنينها المرض أو الضعف، والمرضع التي تخشى ذلك على نفسها أو رضيعها، والطاعن في السن الذي لا يقدر على الصوم. فأباح الإسلام لهؤلاء فطر رمضان على أن يقضي كل من المسافر والمريض والحامل والمرضع ما أفطره في أيام أخر خالية من هذه الأعذار، وعلى أن يخرج الشيخ الفاني فدية الصوم عن كل يوم أفطره حسبما بين في الفقه.


(١) سورة الحج الآية ٧٨
(٢) سورة البقرة الآية ١٨٥
(٣) صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (٧٢٨٨)، صحيح مسلم الحج (١٣٣٧)، سنن الترمذي العلم (٢٦٧٩)، سنن النسائي مناسك الحج (٢٦١٩)، سنن ابن ماجه المقدمة (٢)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٥٠٨).
(٤) صحيح البخاري الرقاق (٦٤٦٣)، صحيح مسلم صفة القيامة والجنة والنار (٢٨١٦)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (٥٠٣٤)، سنن ابن ماجه الزهد (٤٢٠١)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٥١٤).