للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذم منهم أيضا من قتل الأنبياء والصالحين بغير حق وقالوا: قلوبنا غلف وافتروا على مريم بهتانا عظيما وقالوا: إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم، وأكلوا الربا وأموال الناس بالباطل. ومن قال: إن الله ثالث ثلاثة، وكفرهم جميعا ورد عليهم مزاعمهم الباطلة وتوعدهم بالعذاب الأليم. إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ثنائه تعالى على جماعة من اليهود ومن النصارى، ووصفهم بصفات جعلتهم أهلا للثناء عليهم والفوز بالسعادة والنعيم المقيم، وذمه جماعة أخرى من كل من الفريقين، ووصفهم بصفات استوجبوا بها سخط الله ولعنته وأليم عقابه.

لهذا يتبين أن الإسلام وقف من اليهود والنصارى موقف إنصاف وعدل. وأنه لا تناقض بين نصوص الكتاب والسنة في الإخبار عنهم ثناء وذما، فإن من أثنى عليهم يختلفون اختلافا بينا عمن ذمهم، فالذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم؛ امتثالا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} (١).

أولئك الذين وسعتهم رحمة الله وحق فيهم ثناؤه، وأولئك هم المفلحون. أما الذين كفروا بالجميع أو آمنوا ببعض وكفروا ببعض وحرفوا ما أنزل في التوراة أو الإنجيل إلى آخر ما تقدم بيانه وما في معناه، فأولئك الذين ذمهم الله وحقت عليهم كلمة العذاب، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.

وعلى هذا فلا تناقض بين نصوص الإخبار عنهم ثناء على من هم أهل لذلك، واعترافا بقدرهم وإنزالا لهم منازلهم، مع ذم آخرين منهم


(١) سورة النساء الآية ١٣٦