للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام دعا الناس إلى عبادة الله، وبشر بالجنة من آمن، وحذر بالنار من كفر، فآمن من آمن وهم القليل في مكة، ثم بسبب الأذى له ولأصحابه أمره الله بالهجرة إلى المدينة، فهاجر إليها ومن آمن معه ممن استطاع الهجرة، فصارت المدينة دار الهجرة، والعاصمة الأولى للمسلمين، وانتشر فيها دين الله، وقامت فيها سوق الجهاد بعد تعب عظيم وإيذاء شديد من قريش وغيرهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين معه في مكة.

كل ذلك من أجل هذه الكلمة "لا إله إلا الله"، الرسل تدعو إليها، ومحمد خاتمهم عليه الصلاة والسلام يدعو إلى ذلك، يدعو إلى الإيمان بها، واعتقاد معناها، وتعطيل الآلهة التي عبدوها من دون الله وإنكارها، وإخلاص العبادة لله وحده، والمشركون يأبون ذلك، ويقولون: إنهم سائرون على طريقة أسلافهم، ويقولون:

{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} (١).

فأمة العرب الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم سلكوا مسلك من قبلهم في العناد والكفر والضلال والتكذيب، ونبينا عليه الصلاة والسلام طيلة ثلاث عشرة سنة في مكة يدعوهم إلى توحيد الله، وإلى ترك الشرك بالله، فلم يؤمن به إلا القليل، وهذا بعد الهجرة إلى المدينة، استمروا في طغيانهم، وقاتلوه يوم بدر، ويوم أحد، ويوم الأحزاب؛ عنادا وكفرا وضلالا، وساعدهم من ساعدهم من كفار العرب، ولكن الله جلت قدرته أيد نبيه والمؤمنين وأعانهم، وجرى ما جرى يوم بدر من الهزيمة على أعداء الله، والنصر لأولياء الله، ثم جرى ما جرى يوم


(١) سورة الزخرف الآية ٢٣