للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عاش في زمن استقرت فيه الأمور للدولة العباسية. ولكن ما لبث أن ظهر اعتماد المأمون على الجيش الفارسي لكي يستطيع التغلب على أخيه الأمين، وتم له ذلك فعلا، ومنذ ذلك الحين بدأ تسرب الأعاجم إلى دار الخلافة، حتى جاء المعتصم من بعده فاعتمد على الترك الذين قوي نفوذهم بمرور الزمن، حتى جاء اليوم الذي اعتدوا فيه على الخلفاء وعاثوا في الأرض الفساد.

وانقسمت الدولة الأم بعد ذلك انقسامات عديدة، كل ذلك بسبب الجهل الشديد بمبدأ من أعظم المبادئ الإسلامية، هو: "مبدأ الولاء والبراء".

وصدق الحق سبحانه وتعالى حينما قال في محكم التنزيل:

{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} (١) (سورة المجادلة آية ٢٢).

وفي عصر المأمون، استطاع المعتزلة التسلل إلى قلب المأمون، وأقنعوه بمسلكهم الفلسفي في التفكير الذي نتج عنه: إنكار صفات الخالق سبحانه وتعالى، ومن بينها صفة الكلام، ومن ثم دعوة المأمون العلماء إلى القول بخلق القرآن.

وأراد المأمون أن يحمل الناس على ذلك، إلا أن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى أبى واستعصم وثبت على الحق، في الوقت الذي تراجع فيه كثير من أهل العلم عن قول الحق.

ثبت الإمام أحمد رحمه الله تعالى في الساحة وحده، وآثر الباقية على الفانية، وظل صابرا محتسبا، وأصبح بحق رجلا بأمة. فأمر المأمون بضربه وحبسه، وحتى مات المأمون، فأوصى المعتصم من بعده بأن يقول مقالته بخلق القرآن، ومن ثم بدأ المعتصم ينفذ هذه الوصية، فضرب الإمام أحمد بالسياط حتى أغمي عليه، وأهانه أشد الإهانة، واستمر حبسه نحوا


(١) سورة المجادلة الآية ٢٢