وهدف الشريعة الإسلامية من فرض العقوبة هو إصلاح النفوس وتهذيبها والعمل على سعادة الجماعة البشرية؛ ذلك لأن للإسلام في العقاب رأيا ينفرد به.
من أجل ذلك وضع الله الحدود وضعا شرعيا كافلا لراحة البشر في كل زمان ومكان؛ حتى يكون الناس في مأمن وتمتنع الجرائم التي ترتكب، فكل فعل سيئ يحدث في الأرض لا يمكن إصلاحه إلا بالعقوبة.
فالعقوبة إذا مصلحة للمجتمع، وليس في الشريعة ما يمنع من أن تكون أسباب المصالح مفاسد فيؤمر بها أو تباح لا لكونها مفاسد، بل لكونها مؤدية إلى المصالح، بل إن دفع الضرر مقدم على جلب المنافع.
يقول العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام:(ربما كانت أسباب المصالح مفاسد فيؤمر بها أو تباح، لا لكونها مفاسد، بل لكونها مؤدية إلى المصالح، وذلك كقطع الأيدي المتآكلة حفظا للأرواح، وكالمخاطرة بالأرواح في الجهاد، وكذلك العقوبات الشرعية كلها ليست مطلوبة لكونها مفاسد، بل لكون المصلحة هي المقصودة من شرعها كقطع يد السارق وقاطع الطريق، وقد سميت مصالح من قبيل المجاز بتسمية السبب باسم المسبب)(١).
ويقول في موضع آخر منها: (الأطباء يدفعون أعظم المرضين بالتزام بقاء أدناهما، ويجلبون أعلى السلامتين والصحتين ولا يبالون بفوات أدناهما، وأن الطب كالشرع وضع لجلب مصلحة السلامة والعافية ولدرء مفاسد المعاطب والأسقام، ولدرء ما أمكن درؤه من ذلك ولجلب ما أمكن.
(١) قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام، جزء (١)، ص ١٢.