للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في رأس الحقائق البديهية أن عبادة الله هي المهمة الأولى للثقلين الجن والإنس ويؤكد ذلك قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (١) فها هنا قصر الخلق على صفة العبادة وحدها، فكأنه لا غرض من وجود الجن والإنس سوى عبادة الخالق وحده، وبذلك يصبح مفهوم العبادة أوسع مدى من الشعائر الخاصة كالصلاة والصوم والزكاة والحج وما إليها مما يدخل بداهة في هذا النطاق، حتى يتناول كل تحرك يأتيه الإنسان في حياته، فلا يستثنى من ذلك طعامه وشرابه ومختلف تصرفاته، إذ المفروض أن هذا الإنسان على وعي تام لسلطان الخالق ومراده من خلقه، فلا يأتي شيئا أو يذر شيئا إلا وفق الأفضل والأرضى له. . ومتى استوفى الإنسان هذه الصفة كان عبدا ربانيا، وكان كل تحرك له عبادة لله خالصة.

والإسلام بناء متنام الأجزاء، أول أركانه بعد شهادة الحق الصلاة، التي عدها الرسول -صلى الله عليه وسلم- عمود الدين، ومن هنا كان للمسجد أثره العظيم في تكوين المجتمع الإسلامي الأمثل، لهذا السبب رأينا أول عمل يقوم به الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد استقراره في المدينة هو تأسيس مسجد قباء، ثم إنشاء مسجده المبارك، الذي شارك بنفسه في بنائه مع صحابته الأكرمين.

لقد بدأ هذا المسجد مهامه في تنظيم المجتمع من أول يوم، فكان أشبه بمحطة كهرباء تمتد أسلاكها إلى كل ناحية، فتضيء وتحرك وتزود الجميع بكل نافع.


(١) سورة الذاريات الآية ٥٦