بينا أن قابلية الدين حال المطالبة لا تبقي في المسألة إلا الشكل الذي يجري فيه إبراز كل طرف ما عليه من دين للآخر، وهذا الإبراز وسيلة إبراء لا أكثر فإذا توصلنا إليه بالمصارفة فما المانع؟
ومع ذلك فإن المراد هو بيان مدى الرحمة في اختلاف الأئمة - أثابهم الله جميعا بما قدموا وما خدموا هذا الفقه العظيم.
فإذا انتقلنا لتطبيق المسألة على واقع العمل المصرفي فإننا نجد أن الصرف إما أن يكون على الصندوق أو بالحساب.
فإذا كان الصرف نقدا على الصندوق فلا إشكال في المسألة حيث يسلم المتصارف نقوده (من الجنيهات الإسترلينية - مثلا) ليستلم من صندوق المصرف العملة المطلوبة من الجنس الآخر. فهنا تقابض حال منجز.
أما إذا كان الصرف بالحساب فإن المودع يتسلم إيصال الإيداع الذي يحمل تاريخ اليوم الذي فيه الإيداع، ويقوم المصرف بقيد القيمة المعادلة للعملة الوطنية. وهذا قبض، لأن فيه تعيينا لحق العميل تجاه المصرف.
ولو كان للعميل حسابان أحدهما بالجنيه الإسترليني مثلا - والآخر بالدولار، وأراد أن يصارف من أحدهما ليضيفه للآخر فإنه يأمر المصرف بإجراء القيود بالمصارفة بسعر يوم التنفيذ فتكون العملية تبديل دين بدين بما يشبه مصارفة الدين بالدين، وهي العملية الجائزة عند مالك (إذا كان الدينان حالين) والجائزة أيضا عند أبي حنيفة (حل الدينان أم لم يحلا).
هذا ومن الجدير بالإشارة إلى أن سير المصارف على نظام القيد المزدوج في إجراء القيود لا يسمح للمصرف إلا أن يجري العملية بشقها في كل حال لأن كل قيد دائن لا بد أن يقابله قيد مدين وهذا أمر معروف ومتفق عليه في علم المحاسبة.