وفي اعتقادي أن أعظم خدمة نقدمها لإحياء رسالة المسجد هو أن نبدأ هذا التصحيح في مساجد هذه المملكة أولا، فإذا نجحت المحاولة هنا كانت الخطوة التالية إقناع باقي الأقطار الإسلامية الأخرى بنقل هذه التجربة إلى مساجدها.
إن المملكة السعودية هي البيئة الإسلامية المتميزة، فقضاؤها إسلامي صرف، وتعليمها لا يزال مرتبطا بأهداف الإسلام، ونشاطها الإسلامي لا يكاد يفوته جانب من أرض المسلمين، وفي إمكاناتها المادية -ولله الحمد- ضمان لإنجاح أي مشروع إسلامي من هذا النوع. . . فلتكن هي المنطلق الأول لتحقيق الأنموذج الأفضل الذي تتطلع إليه أبصار المصلحين وبصائرهم.
لقد كتب الكاتبون، وألف المؤلفون، وخطب المحاضرون، وتغنى الشعراء الإسلاميون بعظمات الإسلام وإمكاناته العجيبة لإصلاح الإنسان، وبناء الأوطان، وإقامة الحكم الصالح وإعطاء البشرية أفضل الأنظمة في السياسة والاقتصاد والعدالة. . . ولكن شيئا من ذلك لم يترجم على نطاق العمل المنظور خارج هذه البلاد حتى الآن. لذلك ستظل هذه الكنوز حديثا ماتعا يسلي القارئ والسامع، على حين أن المسلمين ومن ورائهم العالم كله يظلون أحوج ما يكونون إلى رؤية هذه الكنوز بارزة في متناول الأيدي والأبصار. فمتى يتاح لهذه الحقائق الإسلامية أن تحتل مكانها في عالم الواقع؟ ليقتنع العالم أن لدينا ما نقدمه لإنقاذه من هاوية الضياع!.
إن الضمير الإنساني يطالب المسلمين بإقامة نموذج صحيح للمجتمع الذي يستطيع الإسلام أن يبنيه بإمكاناته الخاصة وحدها، فيكون مجتمعا ربانيا يحكمه نظام الإسلام في كل شيء، دون أن يسمح للتيارات الداخلية بأي تأثير في خصائصه العليا، حتى يكون حجة الإسلام على العالم، الذي مزقته التجارب البشرية المقطوعة عن طريق الوحي.
وما لم يتفق المسلمون على هذه الحقيقة، وما لم يتقدم من الشعوب الإسلامية من يحقق هذا الأنموذج، فسيظل كماخض الماء، لا يتجاوز حدود الأحلام.