قلت: لم يبين القائلون بحفظ العين لدى القاضي حتى ظهور حجة للمدعي ما هي قوة تلك الحجة؟ والظاهر أن قوتها لديهم هي قوة البينات الشرعية في حال المنازعة. ولكن الفقيه ابن رجب الحنبلي يرى أن العين تسلم إلى المدعي بأقرب البينات. يقول رحمه الله - في كتابه جامع العلوم والحكم (١):
" أما من ادعى ما ليس له مدع لنفسه، منكر لدعواه، فهذا أسهل من الأول ولا بد للمدعي - هنا - من بينة، ولكن يكتفى من البينة - هنا - بما لا يكتفى بها في الدعوى على المدعي لنفسه المنكر، ويشهد لذلك مسائل:
١ - منها اللقطة إذا جاء من وصفها، فإنها تدفع إليه من غير بينة بالاتفاق، لكن منهم من يقول: يجوز الدفع إذا غلب على الظن صدقه، ولا يجب، كقول الشافعي وأبي حنيفة. ومنهم من يقول: يجب دفعها بذكر الوصف المطابق كقول مالك وأحمد.
٢ - ومنها الغنيمة إذا جاء من يدعي منها شيئا، وأنه كان له واستولى عليه الكفار، وأقام على ذلك ما يبين أنه له اكتفى به، وسئل عن ذلك أحمد وقيل له: فتريد على ذلك بينة؟ قال: لا بد من بيان يدل على أنه له، وإن علم ذلك دفعه إلى الأمير.
٣ - وروى الخلال بإسناده عن الركين بن الربيع عن أبيه قال: أحمس (أي شرد) لأخي فرس بعين القمر، فرآه في مربط سعد فقال فرسي، قال سعد: ألك بينة؟ قال: لا، ولكن أدعوه فيحمحم، فدعاه سعد فحمحم، فأعطاه إياه، وهذا يحتمل أنه كان لحق بالعدو ثم ظهر عليه المسلمون ويحتمل أنه عرف أنه ضال، فوضع