للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد كان باب الاجتهاد مفتوحا زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - واتفق العلماء على وقوع الاجتهاد منه - صلى الله عليه وسلم - في الأقضية وفصل الخصومات وفي أمور الحرب وفي شئون الدنيا (١) واختلفوا في وقوع الاجتهاد منه فيما عدا ذلك. والراجح أنه وقع الاجتهاد منه مطلقا حتى في العبادات وهو ما عليه جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة.

مثال اجتهاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الأقضية وفصل الخصومات أنه قضى لهند بنت عتبة زوجة أبي سفيان بالنفقة لها ولأولادها وأنه يجوز لها أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها بالمعروف (٢).

وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤكد للمتخاصمين أنه بشر وأنه يحكم بالظاهر بناء على اجتهاده، فعن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار (٣)».

ومثال اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - في أمور الحرب اجتهاده في أسرى بدر، فقد شاور الصحابة فيما يصنع بهم فأشار عليه أبو بكر بأخذ الفدية منهم وأشار عليه عمر بضرب رقابهم، ومال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في اجتهاده إلى اجتهاد أبي بكر (٤) فنزل قول الله سبحانه معاتبا الرسول - صلى الله عليه وسلم -: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (٥).


(١) انظر نهاية السول للإسنوي ومعه سلم الوصول للمطيعي ٤/ ٥٣٣ - ٥٣٤، وإرشاد الفحول للشوكاني ص٢٥٥.
(٢) رواه مسلم في كتاب الأقضية "باب قضية هند" ٣/ ١٣٣٨.
(٣) رواه البخاري في كتاب الأحكام باب موعظة الإمام للخصوم ٨/ ١١٢ - ١١٣.
(٤) انظر هذه القصة في صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب الإمداد بالملائكة ٣/ ١٣٨٥
(٥) سورة الأنفال الآية ٦٧