للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تطاول الزمن وتعاقبت الدهور، ولقد أودع الله سبحانه معاني كتابه الكريم في قوالب لفظية عربية، وزينه بروعة الفصاحة والبيان، وكساه حلة البلاغة وجلال الإعجاز، فدهشت به العرب جميعا، إذ سمعته حتى قال قائلهم: (إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه).

وخر بعضهم ساجدا تعظيما عندما سمعه يتلى، وانجذبت إليه عقول صناديد الكفر والعناد فكانوا يستمعون إليه تلذذا وإعجابا.

بل انقادت إليه قلوب العرب والعجم عندما كشف الستار عن جماله، وحاكى العقول، لذلك خالطت محبته بشاشة القلوب حتى أن الجن انقادت إليه عندما رأت إعجازه وأيقنت بسلطانه: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} (١) {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} (٢).

لذلك أدلى الصحابة (رضي الله عنهم) بدلوهم في كشف الستار عن معانيه، ثم جاء التابعون فشاركوا في تفسيره، وما زالت ألسنة العلماء وأقلامهم تخط في تفسيره، وبيان مسالكه حتى هذا العصر، من مختلف مستوياتهم، وتنوع تخصصاتهم سواء في ذلك العلوم الدينية أو الاجتماعية أو الأخلاقية والسلوكية، وكذا الاقتصادية والسياسية والعسكرية والكونية.

وما زالت معاني القرآن الكريم بكرا تتجدد في كل عصر لأنه القاعدة العريضة للشريعة الإسلامية الصالحة لكل زمان ومكان. ولما كانت معاني


(١) سورة الجن الآية ١
(٢) سورة الجن الآية ٢