للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلم أعلم من أهل العلماء مخالفا، في أن سنن النبي من ثلاثة وجوه، فاجتمعوا على وجهين، والوجهان يجتمعان ويتفرعان.

أحدهما ما أنزل الله فيه جملة كتاب، فبين رسول الله مثل ما نص الكتاب. والآخر: ما أنزل الله فيه جملة كتاب، فبين عن الله معنى ما أراد، وهذان الوجهان اللذان لم يختلفوا فيهما.

والوجه الثالث: ما سن رسول الله فيما ليس فيه نص كتاب. . فمنهم من قال: جعل الله بما افترض من طاعته، وسبق في علمه من توفيقه لرضاه، أن يسن فيما ليس سنه فيه نص كتاب.

ومنهم من قال: لم يسن سنة قط، إلا ولها أصل في الكتاب، كما كانت سنته لتبيين عدد الصلاة، وفرضها على أصل جملة الصلاة. وكذلك ما سن في البيوع وغيرها من الشرائع، لأن الله قال: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (١).

وقال: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (٢).

فما أحل الله وحرم، فإنما بين فيه عن الله، كما بين الصلاة.

ومنهم من قال: بل جاءته به رسالة الله، فأثبت سنته بفرض الله. ومنهم من قال: ألقي في روعه كل ما سن، وسنته الحكمة الذي ألقي في روعه عن الله، فكان ما ألقي في روعه سنته (٣).

ومادام القرآن والسنة هما محور البحث في الأحكام الشرعية، فإن العلماء قد سبروا غورهما، وفهموا ما فيهما، فكانت الأحكام على ضوئهما، مدرجة تحت قواعد قعدوها، وبالاستقراء أثبتوها.

وبناء على اختلاف عقول البشر، اختلفت أفهامهم، مما تمخض عنه


(١) سورة البقرة الآية ١٨٨
(٢) سورة البقرة الآية ٢٧٥
(٣) الإمام الشافعي: الرسالة ص٩١ - ٩٣.