للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك أن الإطلاق معنى مقصود من الكلام، وله معنى معلوم، وهو الخروج عن العهدة، بالإتيان بما يطلق عليه الاسم، من غير نظر إلى قيد، والتقييد معنى آخر مقصود على مضادة المعنى الأول المقصود من الإطلاق، لأن التقييد إثبات القيد، والإطلاق رفعه، وللمقيد حكم معلوم، وهو الخروج عن العهدة بمباشرة ما وجد فيه القيد، دون ما لم يوجد فيه ذلك، فإذا صار المطلق مقيدا، فلا بد من انتهاء حكم الإطلاق، بثبوت حكم التقييد، لعدم إمكان الجمع بينهما للتنافي، فإن الأول يستلزم الجواز بدون القيد والثاني يستلزم عدم الجواز بدونه، وإذا انتهى الحكم الأول بالثاني، كان الثاني ناسخا له ضرورة.

ونوقش هذا الدليل بعدم تسليم انتهاء حكم الأول، بل هو باق، ولكن ضم إليه شئ آخر، يحتاج إليه ليقع موقعه، فكأن المائة جلدة قد وقعت موقعها، مع الحاجة إلي زيادة التغريب (١).

وأجيب عن ذلك بأن القول بانتهاء الأول بالثاني لأن المطلق متى صار مقيدا، صار المطلق بعضه، وذلك بأن ما كان مطلقا قبل التقييد أصبح بعض المقيد، لاشتمال المقيد على معنيين: أحدهما: ما دل عليه المطلق، والثاني: ما دل عليه المقيد.

وبالبعض لا يثبت حكمه بدون انضمام الباقي إليه، فإن الركعة من صلاة الفجر لا تكون فجرا، ولا بعض الفجر بدون انضمام الركعة الأخرى إليها. والركعتان من صلاة الظهر في حق المقيم كذلك، وكذا المظاهر إذا صام شهرا ثم عجز، فأطعم ثلاثين مسكينا، لا يكون مكفرا بالإطعام، ولا بالصوم (٢).


(١) عبد العزيز البخاري: كشف الأسرار جـ٣ ص١٩٣ السرخسي: أصول السرخسي جـ٢ ص٨٣.
(٢) عبد العزيز البخاري: كشف الأسرار جـ٣ ص١٩٣، السرخسي: أصول السرخسي جـ٢ ص٨٢.