للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} (١) {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (٢) {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} (٣)

أما الحديث النبوي فإنك تشعر من وراء أسلوبه بشخصية بشرية، وذاتية يعتريها الضعف والقوة فكثيرا ما تشعر من أسلوب الحديث النبوي بشخصية تعتز بهذا الضعف الذاتي أمام الله، إلى جانب اعتزازها بقوة الأمانة والثقة بالحق، ففيها ضراعة البشر وتواضع الزهاد، إلى جانب حكمة العلماء وقوة المبلغين الأمناء. فانظر وتصور هذه الشخصية في لون قوتها من خلال قول الرسول عليه السلام لعمه أبي طالب حينما هددته قريش فنصحه بترك الدعوة.

قال - صلى الله عليه وسلم: «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما فعلت حتى يظهره الله أو أهلك دونه».

وتصورها في شعورها بالضعف الذاتي من خلال الأدعية المأثورة عن النبي عليه الصلاة والسلام في مناجاة ربه، كقوله بعدما خرج لدعوة ثقيف وعاد بالأذى والخذلان؟

وقال: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري، إن لم تكن ساخطا علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أضاءت له السماوات والأرض، وأشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن تحل علي غضبك أو تنزل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك».

وقال: «اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي وتجمع بها شملي وتلم بها شعثي وترد بها الفتن عني (٤)».

وبعد فهذه مقارنة بين أسلوب القرآن وأسلوب الحديث النبوي إنما نقصد بها الموازنة بين الأسلوبين من الناحية العربية البيانية فقط، وما توحي به من اختلاف الذاتية والشخصية مما يدل على اختلاف المصادر دون النظر إلى النواحي التي يذكرها العلماء والأدباء الباحثون في وجوه إعجاز القرآن المتعددة لأنها تخرج عن موضوعنا هنا.


(١) سورة يس الآية ٧٧
(٢) سورة يس الآية ٧٨
(٣) سورة يس الآية ٧٩
(٤) (أقضية الرسول) للقرطبي ص ١٢٣.