من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل (١)».
وهذا الحديث مثل حديث أبي سعيد السابق المتضمن الإنكار باليد، ثم اللسان ثم القلب. فالخلوف التي تخلف بعد الأنبياء هذا حكمهم يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويعلمون أحكام الله، ويجاهدون في ذلك باليد، ثم اللسان ثم القلب.
وهكذا في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- يجب على علمائهم وأمرائهم وأعيانهم وفقهائهم أن يتعهدوا بالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهل وإرشاد الضال، وإقامة الحدود والتعزيرات الشرعية؛ حتى يستقيم الناس ويلزموا الحق، ويقيموا عليهم الحدود الشرعية ويمنعوهم من ارتكاب ما حرم الله؛ حتى لا يتعدى بعضهم على بعض أو ينتهكوا محارم الله.
وقد ثبت عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- الخليفة الراشد أنه قال:" إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن". ويروى عن عمر -رضي الله عنه- أيضا.
وهذا صحيح، فكثير من الناس لو جئته بكل آية، لم يمتثل، لكن إذا جاءه وازع السلطان بالضرب والسجن ونحو ذلك أذعن، وترك باطله. لماذا؟ لأن قلبه مريض، ولأنه ضعيف الإيمان أو معدوم الإيمان. . فلهذا لا يتأثر بالآيات والأحاديث. . لكن إذا خاف من السلطان ارتدع ووقف عند حده، ووازع السلطان له شأن عظيم، ولهذا شرع الله لعباده القصاص والحدود والتعزيزات؛ لأنها تردع عن الباطل وأنواع الظلم، ولأن الله يقيم بها الحق، فوجب على ولاة الأمور أن يقيموها، وأن يعينوا من يقيمها، وأن يلاحظوا الناس ويلزموهم بالحق، ويوقفوهم عند حدهم حتى لا يهلكوا، وينقادوا مع
(١) صحيح مسلم الإيمان (٥٠)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٤٥٨).