ولد كعب بن مالك في المدينة قبل هجرة الإسلام إليها، وكان مولده في فترة اشتعلت فيها الحروب بين الأوس والخزرج، فتفتحت عين الوليد أول ما تفتحت على غبار المعارك يملأ دروب المدينة وتغص به بطاحها، وعلى منظر الدم تسفكه الأحقاد، وتشتفي به الأنانية، وسمع أول ما سمع صليل السيوف وصهيل الخيول وصيحات الإهابة والتحريض والإثارة وأناشيد الفخر ومقطوعات المراثي وأنات الثكالى وبكاء اليتامى.
واشتد عوده بين الملاحم التي شهدها أو سمع أقاصيصها من أيام الأوس والخزرج وما أكثرها ومن بينها يوم بعاث، ويوم سميحة، ويوم الدرك، ويوم الربيع، ويوم البقيع.
وكم سمع من أبيه مالك بن أبي كعب الشاعر صورا لتلك الأيام وما قيل فيها، وكم سمع من عمه قيس بن أبي كعب ما جادت به عبقريته الشاعرة في تلك المعارك.
فلم يكن بدعا وقد نشأ في بيت الشعر والفروسية وبين تلك الملاحم أن يكون أحد أرباب السيف والقلم من شعراء العروبة.
ولم يكن بدعا وهذا بيته أن نرى ابنه عبد الرحمن شاعرا وأن نرى ابن ابنه بشير بن عبد الرحمن شاعرا كذلك فهو واسطة العقد في بيت الشعر.
ولم يكن بيت كعب وحده في المدينة هو الذي اختص بين بيوتها بقول الشعر، بل كل البيوت تفيض بالمشاعر والأحاسيس، وتتدفق بالقوافي، وذلك ما يرويه أنس بن مالك خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول: قدم علينا الرسول عليه الصلاة والسلام وما في الأنصار بيت إلا وهو يقول الشعر، فقيل له: وأنت أبا حمزة؟ قال: وأنا.
فكعب وهو ينشأ ويعيش في المدينة في وسط هذا المجتمع الشاعر وبين الملاحم المثيرة خليق به أن يكون شاعرا بل أن يكون مجيدا لأن للبيئة والوراثة أثرهما.
دين المجتمع المدني:
تقاسمت ذلك المجتمع الوثنية واليهودية فالوثنية يدين بها العرب من الأوس والخزرج وغيرهما ممن يعيشون في يثرب من القبائل العربية، واليهودية يدين بها بنو النضير وبنو قريظة، وبنو المصطلق وغيرهم من اليهود الذين يعيشون في المدينة وحولها.