للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأسباب تعد تابعة لها في الحرمة، فوسائل المحرمات والمعاصي يكون حكمها في المنع الكراهية بحسب إفضائها إلى غايتها وارتباطاتها، فوسيلة المقصود تابعة للمقصود فإذا حرم الرب تعالى شيئا وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها، ويمنع منها، تحقيقا لتحريمه، وتثبيتا له، ومنعا أن يقرب حماه، وإباحة الوسائل والذرائع المفضية إلى الحرام غير مقبولة؛ لأن ذلك لو قبل لكان من باب التناقض، وفيه إغراء للنفوس بارتكاب الحرام، وحكمة التشريع تأبى ذلك كل الإباء. فلو نظرنا إلى حال ملوك الدنيا لوجدناهم يأبون منع جندهم أو رعيتهم أو أهلهم من شيء ثم يباح لهم الطرق والأسباب والذرائع الموصلة إليه، ولو فعل ذلك لعد من باب التناقض وحصل من الرعية والجند ضد ما هو مقصود.

وكذلك الأطباء إذا أرادوا حسم الداء منعوا صاحبه من الطرق والذرائع الموصلة إليه وإلا فسد عليهم ما يرومون إصلاحه.

وإذا كان هذا هو حال أهل الدنيا فما الظن بهذه الشريعة الكاملة التي هي في أعلى درجات الحكمة، والمصلحة، والكمال؟ ومن تأمل مصادرها ومواردها علم أن الله تعالى ورسوله سد الذرائع المفضية إلى المحارم بأن حرمها ونهى عنها (١).

ومن هذه الذرائع ما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- من تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية ومن في حكمها ولو في إقراء القرآن، والسفر بها ولو في الحج وزيارة الوالدين، سدا لذريعة ما يحاذر من الفتنة وغلبات الطباع (٢)، وحسما لمادة وسائل الفساد ودفعا لها، متى ما كان الفعل وسيلة لمفسدة، وإن كان منها سالما في فترة من الفترات (٣)


(١) إعلام الموقعين ٣/ ١٣٥.
(٢) المرجع السابق ١٣٩.
(٣) الفروق للقرافي ٢/ ٣٢.