للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لعدم توجيههم وقت التهيؤ الذهني، والاستعداد العقلي للقبول؛ لأن أمثال هؤلاء في المنزلة الثالثة، بحيث تردعهم السلطة، وتؤثر فيهم التوجيهات، وتخوفهم الجزاءات الملائمة معهم، ذلك أن سلطة الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر يجب أن تكون مستندة إلى قاعدة صلبة من الإيمان، الذي يملأ النفس بحرارة اليقين، ويمدها بالشحنات الدافعة إلى العمل، كما يجب أن تدعم بالسلطة الشرعية، لينزجر المعاندون، ويقمع المكابرون، ويجازى المتجاوزون المصرون؛ لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن (١)، والرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.

لقد جعل الله جل وعلا في شرائع دين الإسلام، وفي كل أمر ونهي حكمة بالغة، تنصلح بها الحياة في كل زمان ومكان، فالزواجر والحدود التي شرعها الله، ونظمتها تعاليم الإسلام، ليست إلا وقاية للمجتمع من تسلط فئة على فئة، وحماية لأفراده وأمنه من أصحاب النزعات الشريرة، أو الإغراءات المادية.

ولما كان الدين النصيحة والتوجيه، فإن الفرد مسئول بأن يكون عينا تراقب الأضرار؛ للتنبيه عليها والتساند مع الجهات المعينة في إنكار المنكر، والترغيب في المعروف، كما جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة. قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم (٢)». رواه مسلم.

فنصح العامة يتم بالتوعية والتنبيه على الأخطاء برفق ولين؛ لأن الثمرة لا تتم إلا بهما. أما إذا خيف اتساع النطاق، واستمراء الباطل، فيجب على الجهة المعنية أخذهم على الحق بالقوة، كما جاء في الحديث الذي ساقه ابن كثير في تفسيره، ومر بنا آنفا. ذلك أن رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم الذين عرفوا في تاريخ دولة الإسلام برجال الحسبة،


(١) من كلمات عثمان بن عفان رضي الله عنه.
(٢) صحيح مسلم الإيمان (٥٥)، سنن النسائي البيعة (٤١٩٧)، سنن أبو داود الأدب (٤٩٤٤)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ١٠٢).