للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى هذا فيكون معنى النسخ في اللغة دائرا حول ثلاثة أوجه:

أولها: أن يكون بمعنى النقل (نسخت الكتاب) أي نقلت ما فيه إلى كتاب آخر فهذا لم يغير المنسوخ منه وإنما صار نظيرا له أي نسخة ثانية منه، وهو بهذا المعنى لا يدخل في النسخ الذي هو موضوع بحثنا.

وثانيها: أن يكون بمعنى الإزالة وحلول المزيل محل المزال كقولهم (نسخت الشمس الظل) إذا أزالته وحلت محله، وهذا المعنى هو الذي يدخل في موضوع ناسخ القرآن ومنسوخه الذي هو مدار بحثنا.

وثالثها: أن يكون بمعنى الإزالة مع عدم حلول المزيل محل المزال فكأنه بمعنى المحو كقولهم (نسخت الريح الآثار) إذا أزالتها فلم يبق منها عوض ولا حلت الريح محل الآثار فهذا هو معنى النسخ في اللغة وأما في الاصطلاح فإن معناه (رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر)، فالحكم المرفوع يسمى (المنسوخ) والدليل الرافع له يسمى (الناسخ)، ويسمى الرفع (النسخ)، فالنسخ إذا يقتضي (منسوخا) وهو الحكم الذي كان مقررا سابقا وهو الدليل اللاحق (١).

وعرف الإمام العلامة مكي بن أبي طالب النسخ في الاصطلاح بأنه (إزالة حكم المنسوخ كله بغير حرف متوسط ببدل حكم آخر أو بغير بدل في وقت معين فهو بيان الأزمان التي انتهى إليها العمل بالفرض الأول، ومنها ابتدأ الفرض الثاني الناسخ للأول) (٢) وعرفه العلامة عبد القاهر البغدادي بقوله (وقال أصحابنا: إن النسخ بيان انتهاء مدة التعبد) (٣) وعرفه ابن حزم في الإحكام بأنه بيان انتهاء


(١) مقدمة الدكتور حاتم الضامن في تحقيق كتاب (الناسخ والمنسوخ في كتاب الله تعالى) لقتادة السدوسي ص ٦.
(٢) الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص٨٥.
(٣) الناسخ والمنسوخ ص ٤٠.