ولأن التوراة قد بشرت بمجيئه ولا سبيل أيضا إلى القول بعموم رسالته؛ لأن ذلك يؤدي إلى انتساخ شريعة إسرائيل بشريعته. وشريعة إسرائيل مؤبدة بدليل ما جاء في التوراة من مثل. " هذه شريعة مؤبدة عليكم ما دامت السماوات والأرض " وإنما هو رسول إلى العرب خاصة. وعلى هذا فالخلاف بينهم وبين من سبقهم أن دعواهم مقصورة على منع انتساخ شريعة موسى بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم وشبهتهم التي ساقوها متكافئة مع دعواهم هذه، ويفهم من اقتصارهم على هذا أنهم يجوزون تناسخ الشرائع سمعا فيما عدا هذه الصورة. وندفع شبهتهم هذه بأمرين:
أولهما: إن دليلهم الذي زعموه هو دليل العنانية والشمعونية من قبلهم وقد أشبعناه تزييفا وتوهينا بالوجوه التي أسلفناها آنفا فالدفع هنا هو عين الدفع هناك فيما عدا الوجه الأول.
ثانيهما: إن اعترافهم بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول أيده الله بالمعجزات وجاءت البشارة به في التوراة يقضي عليهم لا محالة أن يصدقوه في كل ما جاء به، ومن ذلك أن رسالته عامة وأنها ناسخة للشرائع قبله حتى شريعة موسى نفسه الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم «لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي (١)» أما أن يؤمنوا برسالته ثم لا يصدقوه في عموم دعوته، فذلك تناقض منهم لأنفسهم ومكابرة للحجة الظاهرة لهم.
(١) مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣٨٧)، سنن الدارمي المقدمة (٤٣٥).