للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبيل المؤمنين في تصوره للواقع الكائن والذي يجب أن يكون. . . وحسبه بعد ذلك أن يكون قد أدى ما عليه من الواجب كفاء ما يملك من الجهد، وعملا بالتوجيه النبوي الذي لم يعف أحدا من المسئولية حين أوجب تغيير المنكر باليد، وهو من اختصاص ذوي السلطان، ثم باللسان، ومن أدواته هذا القلم، ثم بالقلب، وهو شأن الضعيف الذي لا يملك القدرة على البيان بالقلم أو اللسان.

وفي ضوء هذا المنهج الإسلامي سأضع بين يدي القارئ طائفة من الأفكار التي فاءت بها علي شيخوخة أوغلت في الثمانين، وتقضى نصفها في التعليم على اختلاف مراحله، وفي ممارسة الحياة بكل حلباتها، فكانت لهذا القلم الزاد الذي يمده بكل ما يتصور أن فيه خيرا للناس. . . إن شاء الله.

ومن خلال هذه الرؤية البعيدة أنظر إلى قضية هذا المجتمع المرجوج فلا أتردد في القطع بأن محنته الكبرى إنما تتركز في انصرافه عن المنهج الأصيل، الذي منح أسلافه الضوابط التي أهلتهم لمركز القيادة العالمية، فكانوا الدم الجديد في كيان الإنسانية، يعاملون الشعوب الأخرى معاملة الطبيب الشفيق، الذي يحيط خبرا بأمراض مريضه المعدية، فهو يمده بالعلاج الصالح دون أن يسمح لميكروباته القاتلة بالتسلل إليه. . .، وهكذا كانت انتصاراتهم، وهم القلة الفقيرة، على الكثرة الكاثرة، المدججة بكل وسائل الغلب والترف، انتصار الفكر الصحيح على الفاسد، واليقين المتصل بالسماء على الضياع المدمر. . . ولكن هذه المسيرة الواعية لم تلبث أن اضطربت بها الخطى، حين جاء دور الأجيال التي لم تستطع التماسك أمام بهارج الأمم المنحلة، فإذا هي تشغل بها عن رسالة ربها، ومن هنا بدأت مرحلة الهبوط في حياة المجتمعات المسلمة، إذ اتبعت سننها شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلت تلك الأمم جحور الضباب لدخلتها وراءها، متناسية منهج نبيها المعصوم الذي لم يدع خيرا إلا أرشدها إليه ولا شرا إلا حذرها منه.