للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن قدامة (١): فإن كان في يد رجل دار أو عقار يتصرف فيها تصرف الملاك بالسكنى والإعارة والإجارة والعمارة والهدم والبناء من غير منازع، فقال أبو عبد الله بن حامد: يجوز أن يشهد له بملكها. وهو قول أبي حنيفة والإصطخري من أصحاب الشافعي. قال القاضي: ويحتمل أن لا يشهد إلا بما شاهده من الملك واليد والتصرف، لأن اليد ليست منحصرة في الملك قد تكون بإجارة أو إعارة أو غصب. وهذا قول بعض أصحاب الشافعي.

ووجه الأول أن اليد دليل الملك، واستمرارها من غير منازع يقويها، فجرت مجرى الاستفاضة فجاز أن يشهد بها كما لو شاهد سبب اليد من بيع أو إرث أو هبة واحتمال كونها عن غصب أو إجارة يعارضه استمرار اليد من غير منازع فلا يبقى مانعا كما لو شاهد سبب اليد، فإن احتمال كون البائع غير مالك والوارث والواهب لا يمنع الشهادة كذا ها هنا.

فإن قيل: فإذا بقى الاحتمال لم يحصل العلم ولا تجوز الشهادة إلا بما يعلم.

قلنا: الظن يسمى علما. قال الله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} (٢) ولا سبيل إلى العلم اليقين ها هنا فجازت بالظن.

وجاء في مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى (٣) (ومن رأى شيئا بيد إنسان يتصرف فيه مدة طويلة كتصرف مالك من نقض وبناء وإجارة وإعارة فله الشهادة بالملك) لأن تصرفه فيه على هذا الوجه بلا منازع دليل صحة الملك (كمعاينة السبب) أي سبب الملك (من بيع وإرث) ولا نظر لاحتمال كون البائع والمورث ليس مالكا (وإلا) يره يتصرف كما ذكر فإنه يشهد (باليد والتصرف) لأن ذلك لا يدل على الملك غالبا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (٤): ومن ادعى على خصمه أن بيده عقارا استغله مدة


(١) المغني لابن قدامة جـ٩ ص ١٦٢.
(٢) سورة الممتحنة الآية ١٠
(٣) انظر مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى للشيخ مصطفى السيوطي الرجيباني ٦/ ٥٩٩.
(٤) الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية