للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (١) {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللََّهِ} (٢) وقال: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} (٣).

فلم يستطع العرب معارضة القرآن رغم هذا التحدي الذي قرع آذانهم ليل نهار بعبارات تستفز العزيمة، وتثير الحمية، وقد كانوا حريصين علي إبطال دعوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن هذا القرآن من عند الله، لتضمنه دينا يبطل دينهم، ولما فيه من تسفيه لعقولهم، وسخرية منهم ومما يعبدون. فكانوا في أمس الحاجة إلي الإتيان بمثل هذا القرآن كله أو بعضه ليدافعوا عن دينهم ودين آبائهم. لكنهم لم يفعلوا مع أن القرآن نزل بلغتهم، وألفاظه من ألفاظهم، وهم أهل البيان وفيهم ملوك الفصاحة وقادة البلاغة، أضف إلي ذلك أنهم كانوا أصحاب عقول ناضجة مجربة يشهد لذلك شعرهم ونثرهم.

ومع ذلك كله لم يؤثر عنهم أنهم استجابوا للتحدي وعارضوا القرآن مع أنه نزل في ثلاث وعشرين سنة وكان معهم من الوقت ما يكفي للمعارضة لو كان ذلك في إمكانهم.

لذا تراهم لما عجزوا عن المعارضة اتهموا من أتي به بالسحر وقول الشعر والجنون، وآثروا بذل المهج والأرواح والأموال في الحروب على أن يأتوا بمثل هذا القرآن كله أو بعضه مما يثبت عجزهم وعدم مقدرتهم.

وعجز العرب عن المعارضة ما هو إلا عجز للعربية في عنفوان شبابها، وريعان


(١) سورة هود الآية ١٣
(٢) سورة هود الآية ١٤
(٣) سورة يونس الآية ٣٨