للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله عليه وسلم - إلى هذا الاعتراض، فإنما حجتنا كلها في ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإنكار على من طلق ثلاثا مجموعة امرأة يظنها امرأته: ولا يشك في عصمته فقط.

فإن قالوا: ليس كل مسكوت عن ذكره في الأخبار يكون ترك ذكره حجة، فقلنا: نعم هو حجة لازمة إلا أن يوجد بيان في خبر آخر لم يذكر في هذا الخبر، فحينئذ لا يكون السكوت عنه في خبر آخر حجة.

ومن طريق البخاري، نا محمد بن بشار، نا يحيى هو ابن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر، نا القاسم بن محمد بن أبي بكر، عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - قالت: «إن رجلا طلق امرأته ثلاثا فتزوجت فطلق، فسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتحل للأول؟ قال: " لا حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الأول (١)» فلم ينكر - عليه الصلاة والسلام - هذا السؤال، ولو كان لا يجوز لأخبر بذلك، وخبر فاطمة بنت قيس المشهور رويناه من طريق يحيى بن أبي كثير، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن فاطمة بنت قيس أخبرته أن زوجها ابن حفص بن المغيرة المخزومي طلقها ثلاثا ثم انطلق إلى اليمن فانطلق خالد بن الوليد في نفر فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت ميمونة أم المؤمنين فقالوا إن ابن حفص طلق امرأته ثلاثا فهل لها من نفقة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس لها نفقة وعليها العدة (٢)» وذكر باقي الخبر.

ومن طريق مسلم، نا محمد بن المثنى، نا حفص بن غياث، نا هشام بن عروة، عن أبيه عن فاطمة بنت قيس قالت: قلت: «يا رسول الله إن زوجي طلقني ثلاثا وأنا أخاف أن يقتحم علي قال: فأمرها فتحولت (٣)» ومن طريق مسلم، نا محمد بن المثنى، عبد الرحمن بن مهدي، نا سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطلقة ثلاثة قال: «ليس لها سكنى ولا نفقة (٤)».

فهذا نقل تواتر عن فاطمة بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا هي ونفر سواها بأن زوجها طلقها ثلاثا (٥) وبأنه - عليه الصلاة والسلام - حكم في المطلقة ثلاثا ولم ينكر - عليه الصلاة والسلام - ذلك ولا أخبر بأنه ليس بسنة، وفي هذا كفاية لمن نصح نفسه.

فإن قيل: إن الزهري روى عن أبي سلمة هذا الخبر فقال فيه: أنها ذكرت أنه طلقها آخر ثلاث طلقات وروى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن زوجها أرسل إليها بتطليقة كانت بقيت لها من طلاقها فذكر الخبر وفيه: فأرسل مروان إليها قبيصة بن ذؤيب فحدثته وذكر باقي الخبر.

قلنا: نعم، هكذا رواه الزهري، فأما روايته من طريق عبيد الله بن عبد الله فمنقطعة، لم يذكر عبيد الله ذلك عنها ولا عن قبيصة عنها، إنما قال: إن فاطمة طلقها زوجها وأن مروان بعث إليها قبيصة فحدثته، وأما خبره عن


(١) صحيح البخاري الطلاق (٥٢٦١)، صحيح مسلم النكاح (١٤٣٣)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٤٢).
(٢) صحيح مسلم الطلاق (١٤٨٠)، سنن الترمذي النكاح (١١٣٥)، سنن أبو داود الطلاق (٢٢٩٠)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٣٧٣)، موطأ مالك الطلاق (١٢٣٤)، سنن الدارمي النكاح (٢١٧٧).
(٣) صحيح مسلم الطلاق (١٤٨٢)، سنن النسائي الطلاق (٣٥٤٧)، سنن ابن ماجه الطلاق (٢٠٣٣).
(٤) صحيح مسلم الطلاق (١٤٨٠)، سنن النسائي الطلاق (٣٤٠٤)، سنن أبو داود الطلاق (٢٢٩٠)، سنن ابن ماجه النكاح (١٨٦٩)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٣٧٣)، موطأ مالك الطلاق (١٢٣٤)، سنن الدارمي النكاح (٢١٧٧).
(٥) كذا في الأصل المنقول عنه.