للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال العيني: وجه الاستدلال به أن قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (١) معناه مرة بعد مرة فإذا جاز الجمع بين اثنتين جاز بين الثلاث وأحسن منه أن يقال، إن قوله تعالى: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (٢) عام تناول لإيقاع الثلاث دفعة واحدة، وقال ابن أبي حاتم: أنا يونس بن عبد الأعلى قراءة عليه، أنا ابن وهب، أخبرني سفيان الثوري، حدثني إسماعيل بن سميع، سمعت أبا رزين يقول: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يا رسول الله أرأيت قول الله عز وجل: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (٣)، أين الثالثة؟ قال: " التسريح بالإحسان» هذا إسناده صحيح، ولكنه مرسل ورواه ابن مردويه من طريق قيس بن الربيع عن إسماعيل بن سميع عن أبي رزين مرسلا قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد الرحيم، حدثنا أحمد بن يحيى حدثنا عبيد الله بن جرير بن خالد، حدثنا ابن عائشة، عن حماد بن سلمة، عن قتادة عن أنس ابن مالك - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يا رسول الله ذكر الله الطلاق مرتين، فأين الثالثة؟ قال: " إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان». اهـ (٤).

وقد سبقت مناقشة ابن القيم لهذه الآية وبين أنها دليل على عدم وقوع الثلاث وذلك عند الكلام عليها في المسألة الأولى.

وقال الشيخ جمال الدين الإمام ردا على الاستدلال بقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (٥) وبين أنها لا تدل على وقوع الثالث قال (٦): فصل: ومما يبين ويوضح بطلان تركيبهم شرعا ولغة في الطلاق الثلاث وغيره: أن لفظ التعدد فيه منصوب نصب المصدر، فإن تقدير الكلام طلقتك طلاقا ومعنى المصدر في الكلام طلقتك تطليقات ثلاث، ومعنى المصدر في الكلام إنما هو حكاية حال الفعل في صدوره عن الفاعل.

والفعل له حالتان في صدوره عن الفاعل: حالة يكون فيها خبرا عما صدر وقوعه من الفاعل في الماضي وحالة يكون فيها أداة لما يستعمل فيه من إنشاء العقود والفسوخ استعارة أو اشتراكا، فإذا أريد به الحكاية والخبر عن الماضي، فإن أريد به إخبار عن حقيقة الفعل ونفي المجاز عنه اتبع بالمصدر مطلقا.

وأما إذا استعمل الماضي في إنشاء عقد أو فسخ سواء قيل إنه على وجه الاستعارة أو الاشتراك فإن أريد حقيقة العقد أو الفسخ اتبع المصدر مثل: طلقتها تطليقا، وأما إن أريد تعدد العقد أو الفسخ بلفظ واحد في مرة واحدة بمنزلة تعدده بالتكرار مرة بعد مرة وأتبع بالعدد وحده، أو مضافا إلى المصدر المجموع، مثل طلقتك ثلاثا وقصد به التعدد، أو قال في اللعان أشهد بالله خمسا، أو خمس شهادات، أو قال في القسامة أقسم بالله


(١) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٢) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٣) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٤) انظر عمدة القارئ الجزء التاسع ص ٥٣٨.
(٥) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٦) بواسطة سير الحاث لابن عبد الهادي ٩٣/ ٩٤.