والذي اختاره أبو إسحاق أنه لا ينسب إليه، قال: وتخريجه تارة من نص معين، وتارة تخريجه على وفق أصوله بأن يجد دليلا من جنس ما يحتج به إمامه، والأولى إذا وجد نص بخلافه يسمى ما خرجه قولا مخرجا، وإن وقع الثاني في مسألة قد قال فيها بعض الأصحاب غير ذلك يسمى وجها، وشرط التخريج أن لا يجد بين المسألتين فارقا، وإن لم يعلم العلة الجامعة كالأمة مع العبد في السراية، ومهما أمكن الفرق بين المسألتين لم يجز له على الأصح التخريج، ولزمه تقرير النصين على ظاهرهما، وكثيرا ما يختلفون في القول بالتخريج في مثل ذلك لاختلافهم في إمكان الفرق.
الحال الثالثة: أن يكون حافظا للمذهب عارفا بأدلته لكنه قصر عن درجة المجتهدين في المذهب؛ لقصور في حفظه أو تصرفه أو معرفته بأصول الفقه، وهي مرتبة المصنفين إلى أواخر المائة الخامسة، قصروا عن الأولين في تمهيد المذهب، وأما في الفتوى فبسطوا بسط أولئك وقاسوا على المنقول والسطور غير مقتصرين على القياس الجلي وإلغاء الفارق.
الحال الرابعة: أن يحفظ المذهب ويفهمه في واضحات المسائل ومشكلاتها، غير أنه مقتصر في تقرير أدلته، فهذا يعتمد نقله وفتواه في نصوص الإمام وتفريعات أصحابه المجتهدين في مذهبه، وما لم يجده منقولا فإن وجد في المنقول ما يعلم أنه مثله من غير فصل يمكن كالأمة بالنسبة للعبد في سراية العتق، أو علم اندراجه تحت ضابط منقول ممهد في المذهب جاز له إلحاقه والفتوى به، وإلا فلا، قال: ويندر عدم ذلك، كما قال أبو المعالي بعد أن تقع واقعة لم ينص على حكمها في المذهب، ولا هو في معنى شيء من المنصوص عليه فيه من غير فرق، ولا هي مندرجة تحت شيء من ضوابطه، ولا بد في هذا أن يكون فقيه النفس يصور المسائل على وجهها، وينقل أحكامها بعد استتمام تصويرها جليها وخفيها، قال: ولا تجوز الفتوى لغير هؤلاء الأصناف الخمسة، كما قطع به أبو المعالي في الأصولي الماهر المتصرف في الفقه أنه يجب عليه الاستفتاء. انتهى.