للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعد أن عرض بعض مذاهب العلماء وأدلتهم ومناقشتها في اللعان هل تحصل به الفرقة أم لا؟ قال: واختلف في هذا اللفظ - أي ما جاء في الحديث المتقدم من قوله: فكانت سنة المتلاعنين - هل هو مدرج من كلام الزهري فيكون مرسلا وبه قال جماعة من العلماء، أو هو من كلام سهل فهو مرفوع متصل، ويؤيد كونه من كلام سهل ما وقع في حديث أبي داود من طريق عياض بن عبد الله الفهري، عن ابن شهاب عن سهل قال: فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنفذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ما صنع عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة، قال سهل: «حضرت هذا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان (١)»، أبدا. هذا الحديث سكت عليه أبو داود والمنذري.

قال الشوكاني في نيل الأوطار ورجاله رجال الصحيح، قال مقيده عفا الله عنه: ومعلوم أن ما سكت عليه أبو داود فأقل درجاته عنده الحسن، وهذه الرواية ظاهرة في محل النزاع، وبها تعلم أن احتجاج البخاري لوقوع الثلاث دفعة بحديث سهل المذكور واقع موقعه لأن المطلع على غوامض إشارات البخاري - رحمه الله - يفهم أن هذا اللفظ الثابت في سنن أبي داود مطابق لترجمة البخاري، وأنه أشار بالترجمة إلى هذه الرواية ولم يخرجها لأنها ليست على شرطه، فتصريح هذا الصحابي الجليل في هذه الرواية الثابتة بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنفذ طلاق الثلاث دفعة يبطل بإيضاح أنه لا عبرة بسكوته - صلى الله عليه وسلم - وتقريره له، بناء على أن الفرقة بنفس اللعان كما ترى - وبعد سياقه لبقية المذاهب في الفرقة باللعان قال: وبهذا تعلن أن كون الفرقة بنفس اللعان ليس أمرا قطعيا حتى ترد به دلالة تقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - عويمرا العجلاني على إيقاع الثلاث دفعة الثابت في الصحيح، لا سيما وقد عرفت أن بعض الروايات فيها التصريح بأنه - صلى الله عليه وسلم - أنفذ ذلك، وبعد أن عرض مذاهب العلماء في نفقة البائن وسكناها قال:

فإن قيل: إنفاذه - صلى الله عليه وسلم - الثلاث دفعة من الملاعن على الرواية المذكورة لا يكون حجة في غير اللعان، لأن اللعان تجب فيه الفرقة الأبدية، فإنفاذ الثلاث مؤكد لذلك الأمر الواجب بخلاف الواقع في غير اللعان، ويدل لهذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غضب من إيقاع الثلاث دفعة في غير اللعان، وقال: «أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم (٢)» كما أخرجه النسائي من حديث محمود بن لبيد.


(١) سنن أبو داود كتاب الطلاق (٢٢٤٨).
(٢) سنن النسائي الطلاق (٣٤٠١).