على ما عرف عن إمامه أو عن أصحابه العارف بمطلق الآراء في المذهب ومقيدها وعامها وخاصها وغامضها وواضحها، لكنه لم يبلغ درجة التخريج أو الترجيح وهذا يجوز أن يولى القضاء للضرورة، وعليه أن يحكم بالراجح في مذهب إمامه الذي انتسب إليه وعرف تفاصيل مذهبه، فإن فعل ذلك نفذ حكمه، وإن حكم بالضعيف في مذهب إمامه أو حكم بغير مذهب إمامه لم ينفذ حكمه لبطلانه، فإنه يعتقد صحة مذهب إمامه، وتقديم الراجح في مذهبه، فإذا حكم بخلاف ذلك كان حاكما بغير ما يعتقد فكان حكمه باطلا، وعليه أن يبين مستنده في جميع أحكامه، وقيل: لا يجور توليته القضاء، فإن قلده الإمام القضاء كانت توليته القضاء باطلة، وكان حكمه باطلا، وإن وافق الراجح في مذهب إمامه، وكانت التبعة في ذلك عليه لقبوله ما ليس أهلا له وعلى من ولاه لتوليته إياه، وذهب الماوردي وجماعته إلى جواز حكم المقلد بغير مذهب إمامه، وجمع بينهما الأذرعي بحمل كل من القولين على حال من أحوال المقلد.
رابعا: مجتهد المذهب وهو من له قدرة على استنباط الأحكام من الأدلة الشرعية بناء على أصول الإمام الذي انتسب إليه، أو استنباطها من قواعد إمامه منصوصة أو مستنبطة من كلامه، أو استنباطها بالقياس على منصوصة لشبه معتبر بينهما، أو لعدم وجود فارق مؤثر، وله قدرة أيضا على الترجيح بين الروايات والأقوال والوجوه. وهذا بأنواعه له شبه بالمجتهد المطلق من ناحية قدرته على استنباط الأحكام في الجملة، وله شبه بالمقلد من ناحية وقوفه عند أصول إمامه والتزامه لطريقته في التخريج والترجيح، ولذا اختلف في حكم توليته القضاء، فمن غلب جهة شبهه بالمجتهد المطلق أجاز توليته القضاء، ولو مع وجود المجتهد المطلق فتصح ولايته ويقضي بما ترجح لديه من الآراء، وحكمه نافذ ورافع للخلاف فيما حكم فيه من القضايا، ومن غلب فيه جهة شبهه بالمقلد وسماه مقلدا وإن كان تقليده غير محض، لم يصحح ولايته إلا عند عدم وجود مجتهد مطلق، والمعتمد الأول عند كثير من الفقهاء ولكن ينبغي تولية الأمثل فالأمثل.
خامسا: مجتهد الفتوى وهو من لديه قدرة على الترجيح بين الأقوال أو