ونموذجا لهم في دراسة القضايا، وحل مشكلها، والدقة في تطبيق الأحكام فيها فبذلك تضيق شقة الخلاف وتتحقق المصلحة المرجوة.
أما ارتفاع أصل الخلاف فلا سبيل إليه ولو توحد المرجع العلمي للقضاة باختيار قول واحد وألزم القضاة الحكم به لما تقدم بيانه. ومع ذلك فإن الحكومة وفقها الله قد بذلت مجهودا تشكر عليه فجعلت محاكم تمييز تدرس الأحكام الصادرة من المحاكم، وتوجه القضاة فيما تراهم قد قصروا فيه، وجعلت وراء ذلك هيئة قضائية عليا تدقق الأحكام التي يحصل حولها اختلاف بين القضاة وهيئات التمييز، كل ذلك حرصا من ولي الأمر - وفقه الله - على براءة الذمة وإراحة الناس وإيصال الحقوق إلى أصحابها.
٥ - إن الاختلاف في الأحكام قد وجد في عهد الخلفاء الراشدين والسلف الصالح حتى من القاضي الواحد في قضيتين متماثلتين، ظهر له في الثانية ما لم يظهر له في الأولى، فحكم به ولم ينقض حكمه السابق، ولم يكن ذلك داعيا إلى التفكير في مثل التدوين المقترح ولا إلزام القضاة الحكم بقول واحد، وهم كانوا أحرص منا على حفظ الدين وعلى سمعته وسمعة المسلمين ما وسعهم، ولا يجوز أن يكون هذا الاختلاف مثار ريبة وتهمة للقاضي فالأصل فيمن يختار للقضاء أن يكون عالما أمينا على مستوى المسئولية.
٦ - مما تقدم يعلم أن العلاج السليم للمشكلة في غير التدوين المذكور الذي لا تؤمن عاقبته ونتيجته غير مضمونة، ويفضي إلى فصل الناس عن مصادر شريعتهم وثروة أسلافهم الفقهية كما سبق بيانه، فتعين سلوك الطريق السليم العاقبة، المأمون النتيجة الذي استقامت عليها حياة الأمة الإسلامية وأحوالها في قرونها السالفة.