للقيم الخلقية والمعتقدات السائدة، إن الشرط الأساسي لازدهار الاقتصاد في بلد ما أن يحور لينسجم مع نظام البلد الأخلاقي، أو أن يحور النظام الأخلاقي لينسجم مع الاقتصاد وبدون ذلك يكون الاقتصاد كشجرة مغروسة في تربة ومناخ غير ملائمين لها.
إن الأفكار النظرية وحدها لم تكن لتقوى على تحرير الفكر، وزعزعة التصور الذي ساد قبل ثلاثين عاما في أذهان المثقفين المسلمين عن نظام الفائدة الربوية، لو لم توجد إمكانية لوضع تلك الأفكار النظرية موضع التطبيق، ولو لم تتح فرصة اختبارها في ظروف الواقع واجتيازها لهذا الاختيار بنجاح. وقد أمكن في خلال السنوات القليلة الماضية وجود حوالي خمسين مؤسسة مصرفية تستخدم الأساليب الإسلامية، وتحرر معاملاتها من الفائدة الربوية، وقد حاز بعضها نجاحا كبيرا بمختلف المعايير، صحيح أن عددا قليلا منها لم يوفق تمام التوفيق بسبب سوء الإدارة، لنقص الإخلاص أو نقص الكفاءة، أو بسبب ظروف خارجية. ولكن نجاح مؤسسة من هذه المؤسسات دليل كاف على كفاءة الأساليب المالية التي طبقتها، إذ لو تخلفت كفاءتها لاستحال نجاح المؤسسة، وعلى العكس من ذلك فإن فشل بعض هذه المؤسسات لا يدل على عدم كفاءة الأساليب الإسلامية؛ لأن الفشل له أسباب كثيرة أخرى كما أشرنا، ويجب أن نتذكر أنه في تجربة المملكة مع المؤسسات المصرفية التي اعتمدت نظام الفائدة الربوي تكررت الإخفاقات، ولا حاجة للتذكير بأبرزها - وهو انهيار البنك الوطني - لأنه كابوس لا ينسى.
ولم يقتصر الأمر على قيام مؤسسات مصرفية تعتمد الأساليب المالية الإسلامية، بل إن أكبر دولة إسلامية - بعد أندونسيا - وهي الباكستان أعلنت تقريرها عام ١٩٨٥ تؤكد أنها حررت فروع بنوكها المحلية البالغة ٧٠٠٠ فرع من نظام الفائدة، وذلك باستثناء الاتفاقيات السابقة والمعاملات مع الخارج.