للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى ثلاثا يردد الحلف، كانت ثلاثة أيمان، ولو قال: أحلف بالله ثلاثا لم يكن حلف إلا يمينا واحدة فالطلاق مثله، ومثله.

قال الزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف - رضي الله تعالى عنهما - روينا ذلك كله عن ابن وضاح، وبه قال من شيوخ قرطبة ابن زنباع، شيخ هدى، ومحمد بن بقي بن مخلد، ومحمد بن عبد السلام الخشني فقيه عصره، وأصبغ بن الحباب، وجماعة سواهم من فقهاء قرطبة.

وكان من حجة ابن عباس: أن الله تعالى فرق في كتابه لفظ الطلاق، فقال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (١). يريد أكثر الطلاق الذي يمكن بعده الإمساك بالمعروف وهو الرجعة في العدة، ومعنى قوله: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (٢) يريد تركها بلا ارتجاع حتى تنقضي عدتها، وفي ذلك إحسان إليه وإليها إن وقع ندم منهما، قال الله تعالى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (٣). يريد الندم على الفرقة، والرغبة في المراجعة، وموقع الثلاث غير محسن؛ لأنه ترك المندوحة التي وسع الله تعالى بها ونبه عليها، فذكر الله - سبحانه وتعالى - لفظ الطلاق مفرقا؛ فدل على أنه إذا جمع أنه لفظ واحد، فتدبره.

وقد يخرج من غير ما مسألة من الديانة ما يدل على ذلك.

من ذلك قول الرجل: ما لي صدقة في المساكين: أن الثلث من ذلك يجزيه. .، هذا كله لفظ صاحب الكتاب بحروفه، أفترى الجاهل الظالم المعتدي يجعل هؤلاء كلهم كفارا مباحة دماؤهم؟ سبحانك، هذا بهتان عظيم، بل هؤلاء من أكابر أهل العلم والدين، وذنبهم عند أهل العمى، أهل التقليد: كونهم لم يرضوا لأنفسهم بما رضي به المقلدون، فردوا ما تنازع فيه المسلمون إلى الله ورسوله.

" وتلك شكاة ظاهر عنك عارها ".

الوجه العشرون: أن هذا مذهب أهل الظاهر: داود، وأصحابه وذنبهم عند كثير من الناس أخذهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم، ونبذهم القياس وراء ظهورهم، فلم يعبأوا به شيئا، وخالفهم أبو محمد بن حزم في ذلك، فأباح جمع الثلاث وأوقعها.

فهذه عشرون وجها في إثبات النزاع في هذه المسألة بحسب بضاعتنا المزجاة من الكتب، وإلا فالذي لم نقف عليه من ذلك كثير، وقد حكى ابن وضاح وابن مغيث ذلك عن علي، وابن مسعود، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وابن عباس، ولعله إحدى الروايتين عنهم، وإلا فقد صح بلاشك عن ابن مسعود،


(١) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٢) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٣) سورة الطلاق الآية ١