للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الأسباب التي دفعت المحدثين للعنايه بمتون الأحاديث خاصة بعد عصر الفقه - ظهور الزنادقة والملاحدة ومناصري العصبيات والقوميات وغيرهم من أعداء الله ومحاولتهم دس الأحاديث الموضوعة وإشاعتها وسط المسلمين مما جعل المحدثين يتشددون في اعتماد الأسانيد والمتون ويسألون عن حال الرواة رجلا رجلا، ولقد أورد الإمام الذهبي في مؤلفه " تذكرة الحفاظ، عن هذا الأمر ما يلي: " إن الرشيد أخذ رجلا من الزنادقة ليقتله فقال: أين أنت من ألف حديث وضعتها؟ فقال له الرشيد: أين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك ينخلانها ويخرجانها حرفا حرفا " (١).

ومن الأسباب التي أدت إلى مضاعفة جهود المحدثين في العناية بمتون الأحاديث وأسانيدها أنهم قد اضطروا للرحلة في طلب الحديث بعد توسع الدولة الإسلامية وتفرق الصحابة بالأمصار، فكان على المحدثين أن يرحلوا إليهم طلبا للإسناد العالي، وتوثيق نصوص الأحاديث وتقويتها بكثرة الطرق.

ولقد بين الخطيب (٢) البغدادي في مؤلفه " الرحلة " معظم من رحل منهم كأبي العالية الذي رحل ليسمع من الصحابة رضوان الله عليهم.

وكزر بن حبييش الذي رحل في خلافة عثمان رضي الله عنه ليسمع من الصحابة، ونقل قول عامر الشعبي: " لو أن رجلا سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن، فحفظ كلمة تنفعه فيما يستقبله من عمره ما ضاعت رحلته " (٣).


(١) تذكرة الحفاظ: ١/ ٢٧٣.
(٢) الرحلة: ٤٨، ٤٩.
(٣) الرحلة: ٤٨، ٤٩.