للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحسن والضعيف ثم الموضوع، ولقد انصبت جهودهم على تمحيص ونقد أسانيد الأحاديث ومتونها، وقد ترتب على عنايتهم بالسند أن بحثوا في رجال السند وحكموا على كل منهم بما يليق بحاله، من حيث التوثيق أو الجرح، وترتب على ذلك ظهور علوم كثيرة تتعلق بسند الحديث كعلم الجرح والتعديل، وعلم طبقات الرواة، والبحث في الكنى والألقاب وغيرها.

أما فيما يتعلق بعنايتهم بالمتن وهو موضوع بحثنا هذا فقد اتبع المحدثون مناهج فريدة من نوعها أيضا، متينة في أسسها، وقوية في أركانها؛ لصيانة متون الأحاديث الشريفة كأسانيدها تماما من الوهم والنسيان والعوارض البشرية، ومن التزيد والوضع والدس وتشويه الحقائق.

ولقد اهتم المحدثون بفحص المرويات اهتماما بالغا، فكان كل منهم يعرض ما يجمعه من أحاديث على زملائه من المحدثين للتأكد من سلامتها وخلوها من العلل. ويدلنا على ذلك ما أورده الخطيب البغدادي في مؤلفه " الكفاية " حيث روى عن الأوزاعي قوله: كنا نسمع الحديث ونعرضه على أصحابنا، كما يعرض الدرهم الزائف، فما عرفوا منه أخذناه وما أنكروا منه تركناه، قال جرير: كنت إذا سمعت الحديث جئت به إلى المغيرة فعرضته عليه فما قال لي ألقه ألقيته " (١).

ولم ينته القرن الرابع الهجري إلا وقد جمعت معظم متون الأحاديث النبوية الشريفة ودونت في مصنفات، ثم انصب نشاط المحدثين بعد ذلك في العناية بهذه المصنفات والعمل على ترتيبها وتبويبها وشرحها والتعليق والاستدراك عليها، وتحقيقها، وما إلى ذلك من ضروب الأنشطة التي توضح مدى اهتمام المحدثين بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثرة عنايتهم بها وتفانيهم في خدمتها. وسوف نورد فيما يلي بعضا من المناهج التي أتبعوها في ذلك:


(١) الكفاية في علم الرواية: ٤٣١، ٤٣٢.