الاستئذان وطلبه البينة، وإحضار أبي موسى لشاهد يقر بصحة روايته، يقول الذهبي معلقا:" أحب عمر أن يتأكد عنده خبر أبي موسى بقول صحابي آخر، ففي هذا دليل على أن الخبر إذا رواه ثقتان كان أقوى وأرجح مما انفرد به واحد، وفي ذلك حض على تكثير طرق الحديث؛ لكي يرتقي عن درجة الظن إلى درجة العلم، إذ الواحد يجوز عليه النسيان والوهم ولا يكاد يجوز ذلك على ثقتين لم يخالفهما أحد ".
٣ - اختبار مدى قوة حفظ الراوي وتمكنه من استحضار ما رواه من أحاديث متى طلب منه ذلك. ومما يدلنا على أن المسلمين كانوا يمارسون هذا المنهج في العناية بمتون الأحاديث ذلك الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم بسنده من حديث عروة بن الزبير قال:" قالت لي عائشة، يا ابن أختي بلغني أن عبد الله بن عمرو مار بنا إلى الحج فالقه فسائله فإنه قد حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علما كثيرا، قال: فلقيته فساءلته عن أشياء يذكرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عروة: فكان فيما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لا ينزع العلم من الناس انتزاعا، ولكن يقبض العلماء فيرفع العلم معهم، ويبقي في الناس رءوسا جهالا فيفتونهم بغير علم فيضلون (١)». قال عروة فلما حدثت عائشة بذلك أعظمت ذلك وأنكرته قالت: أحدثك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟ قال عروة حتى إذا كان قابل قالت له: إن ابن عمرو قد قدم، فالقه ثم فاتحه حتى تسأله عن الحديث الذي ذكره لك في العلم، قال: فلقيته فسألته فذكره لي نحو ما حدثني به في مرته الأولى، قال عروة: فلما أخبرتها بذلك قالت: ما أحسبه إلا قد صدق أراه لم يزد فيه شيئا ولم ينقص ".
(١) صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (٧٣٠٧)، صحيح مسلم العلم (٢٦٧٣)، سنن الترمذي العلم (٢٦٥٢)، سنن ابن ماجه المقدمة (٥٢)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢٠٣)، سنن الدارمي المقدمة (٢٣٩).