للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن لم يكن في المتن ما ينافيه بل سلم من مجيء خبر يضاده فهو المحكم وأمثلته كثيرة " (١).

وسوف أقوم هنا بإبراز بعض الأحاديث التي ظاهرها التعارض مما أثار حوله المستشرقون بعض الشكوك، ثم أقوم باستعراض أقوال بعض العلماء حولها بما يدل على أنهم قد أوردوا فيها بيانا شافيا وآراء سديدة توفق بين كل حديثين ظاهرهما التعارض، مما يجعل هذه الأحاديث النبوية الشريفة متوافقة ومقبولة.

لقد سبق لنا أن رأينا أن المستشرق نيكلسون قد استشهد بالأحاديث الواردة في شأن الأمر بقتل الكلاب والأحاديث التي تنهى عن ذلك؛ ليدلل على تضارب متون بعض الأحاديث النبوية الصحيحة وعجز العلماء عن التوفيق بينها. لكن العلماء قد تمكنوا من الجمع بين هذه الأحاديث بما يزيل صور التعارض الظاهري، ويوفق بينها بصورة منطقية مقبولة، ومن بين هؤلاء العلماء ابن قتيبة الدينوري الذي قال في مؤلفه: (تأويل مختلف الحديث) حول هذا الموضوع ما يلي: " وأما قتله كلاب المدينة فليس فيه نقض لقوله: لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها؛ لأن المدينة في وقته صلى الله عليه وسلم مهبط وحي الله تعالى مع ملائكته، والملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة كما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال جبريل عليه السلام: لم يمنعني من الدخول عليك البارحة إلا أنه كان على باب بيتك سترا فيه تصاوير، وكان في بيتك كلب فمر به فليخرج، وكان الكلب جروا للحسن والحسين تحت نضد لهم (٢)». وهذا دليل على أنها كما تكره الكلاب في البيوت تكرهها أيضا في المصر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها أو بالتخفيف منها فيما قرب منها، وأمسك عن


(١) فتح المغيث ٣/ ٧٨.
(٢) سنن الترمذي الأدب (٢٨٠٦)، سنن أبو داود اللباس (٤١٥٨).