للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأجاب ابن القيم عن الرواية التي فيها ذكر غير المدخول بها فقال (١): ورواية طاوس نفسه عن ابن عباس ليس في شيء منها قبل الدخول، وإنما حكى ذلك طاوس عن سؤال أبي الصهباء لابن عباس فأجابه ابن عباس بما سأله عنه ولعله إنما بلغه جعل الثلاث واحدة في حق مطلق قبل الدخول، فسأل عن ذلك ابن عباس وقال: " كانوا يجعلونها واحدة؟ " فقال له ابن عباس " نعم " أي الأمر ما قلت وهذا لا مفهوم له فإن التقييد في الجواب وقع في مقابلة تقييد السؤال، ومثل هذا لا يعتبر مفهومه.

نعم لو لم يكن السؤال مقيدا فقيد المسئول الجواب كان مفهومه معتبرا، وهذا كما إذا سئل عن فأرة وقعت في سمن فقال «إذا وقعت الفأرة في السمن فألقوها وما حولها وكلوه (٢)» لم يدل ذلك على تعيين الحكم بالسمن خاصة، وبالجملة فغير المدخول بها فرد من أفراد النساء فذكر النساء مطلقا في أحد الحديثين، وذكر بعض أفرادهن في الحديث الآخر لا تعارض بينهما.

وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (٣): وحجة هذا القول أن بعض الروايات كرواية أبي داود جاء فيها التقييد بغير المدخول بها، والمقرر في الأصول هو حمل المطلق على المقيد ولا سيما إذا اتحد الحكم والسبب كما هنا، قال في مراقي السعود:

وحمل مطلق على ذاك وجب ... إن فيهما اتحد حكم والسبب

وما ذكره الأبي - رحمه الله - من أن الإطلاق والتقييد إنما هو في حديثين، أما في حديث واحد من طريقين فمن زيادة العدل، فمردود بأنه لا دليل عليه، وإنه مخالف لظاهر كلام عامة العلماء ولا وجه للفرق بينهما، وما ذكره الشوكاني - رحمه الله - في نيل الأوطار من أن رواية أبي داود التي فيها التقييد بعدم الدخول فرد من أفراد الروايات العامة وذكر بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصصه، لا يظهر؛ لأن هذه المسألة من مسائل المطلق والمقيد، لا من مسائل ذكر بعض أفراد العام، فالروايات التي أخرجها مسلم مطلقة عند قيد الدخول، والرواية التي أخرجها أبو داود مقيدة بعدم الدخول كما ترى، والمقرر في الأصول حمل المطلق على المقيد، ولا سيما إن اتحد الحكم والسبب كما هنا.

نعم لقائل أن يقول: إن كلام ابن عباس في رواية أبي داود المذكورة وارد على سؤال أبي الصهباء، وأبو الصهباء لم يسأل إلا عن غير المدخول بها، فجواب ابن عباس لا مفهوم مخالفة له؛ لأنه إنما خص غير المدخول بها لمطابقة الجواب للسؤال.

وقد تقرر في الأصول أن من موانع اعتبار دليل الخطاب - أعني مفهوم المخالفة - كون الكلام واردا جوابا لسؤال، لأن تخصيص المنطوق بالذكر لمطابقة السؤال فلا يتعين كونه لإخراج المفهوم عن المنطوق، وأشار


(١) إغاثة اللهفان: ١/ ٢٨٥ - ٢٨٦.
(٢) صحيح البخاري الذبائح والصيد (٥٥٣٩)، سنن الترمذي الأطعمة (١٧٩٨)، سنن النسائي الفرع والعتيرة (٤٢٦٠)، سنن أبو داود الأطعمة (٣٨٤٢)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٣٣٠)، موطأ مالك الجامع (١٨١٥).
(٣) أضواء البيان: ١/ ١٩٦ - ١٩٧ - ١٩٨.