٤ - العناية بالفقه المؤول الذي دونه أسلافنا، وكان من خير ما ورثنا عنهم، ومن المعلوم أن مصادر التشريع لم تكن جميعها معلومة لكل واحد منهم.
وأن الفقه لم يكن وقفا على جماعة من العلماء دون غيرهم ولا كان الحق من آراء الفقهاء متعينا في قول جماعة منهم دون سائرهم، فكان البقاء مع الأصل، وترك الباب مفتوحا لدراسة الفقه المؤول ومقارنته بمصادر الشريعة، وتطبيقه على جزئياته نظريا وعمليا في الحياة الخاصة والعامة أوفق ليسر الشريعة وكمالها وإحاطتها بجميع الأحكام.
٥ - من المعلوم أن المسائل العلمية منها ما هو موضع إجماع - وهذا لا إشكال فيه - ومنها ما هو موضع خلاف، وهذه للخلاف فيها أسباب متعددة
منها ما يرجع إلى بقاء الدليل من عدمه. ومنها ما يرجع إلى طريق الأدلة. ومنها ما يرجع إلى متن الدليل. ومنها ما يرجع إلى دلالته. ومنها ما يرجع إلى ما يحيط به من اختلاف في التقعيد، فنراهم في بعض المذاهب يحبذون فهم الأدلة الشرعية وحكم المسائل الجزئية على التقعيد المذهبي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى هم مختلفون في مسالك الترجيح بناء على اختلافهم في التقعيد، فتجد مرجوحا عند الشافعية راجحا عند الحنفية وهكذا.
ومن جهة ثالثة وصف القول بأنه راجح من حيث التقعيد الشرعي، لا من حيث التقعيد المذهبي، وصفه بذلك ليس من الأوصاف اللازمة، فقد يكون راجحا في وقت بالنظر لما يحيط به من ظروف وملابسات من اختلاف الأحوال والأزمنة والأمكنة والأشخاص، ويكون مقابله على هذا الأساس مرجوحا فتتغير الأمور ويكون المرجوح راجحا، والراجح مرجوحا، وهذا كما يجري في الظاهر ومقابله، يجري أيضا في المسائل ذات الأقوال المتساوية في ظن المجتهد. فإن هذا قد يكون بالنسبة لوقت، ويأتي وقت آخر يوجد فيه من القرائن ما يجعل واحدا منها راجحا، فراجحية القول في المسائل الخلافية إنما تظهر بعد دراسة واقع المسألة وتطبيقها على موضعها من الشرع،