للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا تقرر أن الله تعالى جعل لكل مكلف وإن كان عاميا جاهلا الإنشاء في الشريعة لغير ضرورة فأولى أن يجعل الإنشاء للحاكم مع علمهم وجلالتهم؛ لضرورة درء العناد، ودفع الفساد وإخماد النائرة، وإبطال الخصومة. انتهى كلام القرافي.

ليس فيما ذكر من الصورتين إنشاء العبد لحكم شرعي، وضعي أو تكليفي، فإن الذي وقع من العبد في الصورة الأولى مجرد النذر لمندوب، وهو محل للحكم، وليس حكما، والله هو الذي جعل النذر سببا لما بناه عليه سبحانه من الحكم بوجوب الوفاء، وهو الذي جعل القابلية لذلك في المندوب وليس إلى غير الله إنشاء في هذه الثلاثة.

وأما الصورة الثانية: فالذي من العبد التعليق للعتق أو الطلاق مثلا على شيء مما ذكر في هذه الصورة، والتعليق الذي هو فعل العبد محل للحكم وليس حكما، ولا إنشاء للحكم، والله سبحانه الذي عم في المعلق عليه فجعله أيا كان قابلا لأن يكون سببا لترتيب الحكم على تحققه، وعلى ذلك يتبين بطلان ما ذكره من أن الله تعالى جعل لكل مكلف ولو عاميا جاهلا إنشاء الأحكام في الشريعة لغير ضرورة، وبطلان ما رتبه عليه من أن للحكام من باب أولى إنشاء أحكام كلية في الشريعة، وإنما الذي إليهم فهم الشريعة وتطبيقها على الوقائع والقضايا الجزئية كما دلت على ذلك أدلة اختصاص الله بالتشريع.

١٠ - قال (١) القرافي في الفرق بين المفتي والحاكم، وبين الإمام الأعظم في تصرفاته قال: إن الإمام نسبته إليهما كنسبة الكل لجزئه، والمركب لبعضه، فإن للإمام أن يقضي وأن يفتي كما تقدم، وله أن يفعل ما ليس بفتيا ولا قضاء؛ كجمع الجيوش وإنشاء الحروب، وحوز الأموال، وصرفها في مصارفها، وتولية الولاة وقتل الطغاة، وهي أمور كثيرة


(١) الأحكام / ٣٢.