التفكير الجاد السليم، ومسئول عن إهمال حواسه وتعطيلها. كما أنه مسئول عن استخدامها فيما يضر.
أما حرية الاعتقاد فلم يمنحها الله سبحانه مطلقة، بحيث يعتقد كل إنسان كما يشاء، بل الله سبحانه يلزم العقلاء البالغين من البشر باعتقاد ربوبيته وألوهيته وطاعته والخضوع له وحده، ولا يقبل منهم غير ذلك.
برهان ذلك: أن هذا العالم الرحب الذي نعيش فيه لم تبن جنباته كيفما اتفق، ولم تركم مواده بعضها فوق بعض بطريق الجزاف، بل هو مخلوق مصنوع وفق نظام محكم وقانون دقيق، فما يطير في الجو انخفاضا وارتفاعا محكوم بقانون وما يلقى في الماء من أجسام غوصا وطفوا وسبحا مضبوط بقانون، وما ينبت في الأرض من نبات فيختلف طعمه ولونه وثمره خاضع لقانون، فكل ما في السماء وما في الأرض قد خلق مقرونا بالحق، وما على من ينشد الحق والحقيقة إلا أن يتصفح صفحات هذا الكون الفسيح ليعرف من حقائقه ما يزيده بالخالق إيمانا، وبخلق هذا العالم دقة وإتقانا.
والإنسان لا يولد عالما ولا عارفا، ولكنه يولد مزودا بوسائل العلم والمعرفة عقلا وسمعا وبصرا.
خلق ليعرف الحق ويستدل له ويستدل عليه، لا ليعيش على الباطل ويسير في مسالكه المعوجة.
والحرية في هذا الميدان مطلقة ما دام أنها في الكون وآياته، وفيما تناله وسائل الإنسان وقدراته. وبهذا الضابط نقول: إن حرية الفكر والتفكير مكفولة مطلقة، ولكن حرية الشهوة مقيدة، فمن غير المقبول في العقول الاندفاع وراء الرغبات والغرائز، لأن طاقة الإنسان محدودة، فإذا استنفدت في اللهو والعبث والمجون لم يبق فيها ما يدفعها إلى الطريق الجاد، ويدلها على مسلك الحق والخير، وبناء عليه فإن ما يرى في عالمنا المعاصر وحضارته المادية من إيجابيات خيرة