البلبلة في المؤمنين؛ لأن اليهود أهل كتاب، فإذا حصل منهم هذا يختلج في بعض النفوس الضعيفة أن هؤلاء اليهود لو لم يتبينوا خطأ في هذا الدين الجديد لما رجعوا عنه، فكان مقصودهم الفتنة والصد عن دين الله. وإما أن يكون هذا المرتد رجلا يريد أن يطلق لشهواته العنان ويتحلل من ربقة التكاليف.
الثالث: الخروج عن الإسلام يعتبر خروجا على النظام العام، ذلك أن الإسلام دين كامل، كما يهتم بعلاقة الإنسان بربه فهو يهتم بعلاقته بغيره من بني جنسه؛ بين المرء وزوجه وبينه وبين أقربائه وجيرانه، وفيما بينه وبين أعدائه حربا وسلما، في شمول منقطع النظير، عبادة ومعاملة وجناية وقضاء إلى سائر ما تنقسم إليه قوانين الدنيا بل أوسع من ذلك. وبناء على هذا فيجب النظر إلى الإسلام ككل متكامل، وليس قاصرا فقط على علاقة العبد بربه كما يظنه غير المسلمين. وإذا كان ذلك كذلك فالردة تعني الخروج على النظام.
الرابع: في جعل العقوبة على الردة إباحة دم المرتد زاجر لمن يريد الدخول في هذا الدين مشايعة ونفاقا للدولة أو لأهلها، وباعث له على التثبت في أمره فلا يعتنقه إلا على بصيرة وسلطان بين، فالدين تكاليف وشعائر يتعسر الاستمرار عليها من قبل المنافقين وأصحاب المآرب المدخولة.
الخامس: للإنسان قبل أن يؤمن بالإسلام الحق في أن يؤمن أو يكفر، فإذا آثر أي ديانة من الديانات فلا اعتراض عليه، ويبقى له حق الحياة والأمن والعيش بسلام. وإذا آثر الإسلام ودخل فيه وآمن به، فعليه أن يخلص له ويتجاوب معه في أمره ونهيه وسائر هديه في أصوله وفروعه، ثم بعد ذلك نقول: هل من حرية الرأي أن يمكن صاحبها من الخروج على هذا المجتمع ونبذ قواعده ومشاقة أبنائه؟ هل خيانة الوطن أو التجسس لحساب الأعداء من الحرية؟ هل إشاعة الفوضى في جنباته والاستهزاء بشعائره ومقدساته من الحرية؟
إن محاولة إقناع المسلمين بقبول هذا الوضع مسفه. ومطالبة المسلمين بتوفير حق الحياة لمن يريد نقض بناء دينهم وتنكيس لوائه أمر عجيب!