للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي أول مواجهة بين المسلمين وأعدائهم في معركة بدر انتصر فيها المسلمون ووقع فيها أسرى من كبراء العرب، لقد سقطوا في الأسر كما يسقط الكبراء والأشراف في معارك الدول الكبرى من القياصرة والأكاسرة، لو عوقبوا بعقاب شديد لكانوا له مستحقين، فقد آذوا المسلمين أشد الإيذاء في أول قيام الدعوة الإسلامية، غير أن القرآن الكريم يوجه النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (١) {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (٢)

لقد كان هؤلاء الأسرى قبل هذه المعركة ومن أول عهد البعثة يوقعون المظالم الفاجعة بجمهور المسلمين، يريدون إفناءهم أو احتلالهم. فهل يا ترى من حسن السياسة أن يطلق سراح الأسرى فورا؟

معلوم أن هذا يتعلق بمصالح الدولة العامة والعليا، ولهذا تجد أن المسلمين في بدر قبلوا الفداء، وفي الفتح قيل لأهل مكة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» وفي غزوة بني المصطلق تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم أسيرة من الحي المغلوب؛ ليرفع من مكانتها حيث كانت ابنة أحد زعمائه. . فما كان من المسلمين إلا أن أطلقوا سراح جميع هؤلاء الأسرى.

ومن هذا ندرك الصور المحدودة والمسالك الضيقة التي يلجأ إليها في الرق، وهو لم يلغه بالكلية؛ لأن هذا الأسير الكافر المناوئ للحق والعدل كان ظالما أو معينا على ظلم أو أداة في تنفيذه أو إقراره، كانت حريته فرصة لفشو الطغيان والاستعلاء على الآخرين.

ومع كل هذا، فإن فرصة استعادة الحرية لهذا وأمثاله في الإسلام كثيرة وواسعة.

كما أن قواعد معاملة الرقيق في الإسلام تجمع بين العدالة والرحمة.

فمن وسائل التحرير: فرض نصيب في الزكاة لتحرير العبيد وكفارات


(١) سورة الأنفال الآية ٧٠
(٢) سورة الأنفال الآية ٧١