للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد روى البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهل ممن أراد الحج والعمرة ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة (١)». ولا يصح الاستناد في هذه المسألة إلى تغير الفتوى بتغير الأحوال والأزمان لأنها من العبادات وهي مبنية على التوقيف كما أنها ليست من مواضع الاجتهاد لتحديدها بالنص من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن المعلوم عند أهل العلم أن الهواء تابع للقرار كما هو مبسوط في موضعه وإنكار ذلك منه غير مسلم. . أما احتجاجه بجعل عمر رضي الله عنه ذات عرق ميقاتا لأهل العراق فهو مردود لأن عمر رضي الله عنه لم يجعل لأهل العراق ميقاتا في الجهة الغربية أو غيرها من مكة يحرمون منه بدلا من ميقاتهم الذي يمرون به في الجهة الشرقية منها بل قال عمر رضي الله عنه انظروا حذوها من طريقكم. وأما قوله "ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا- إلى قوله- لبادر إلى تعيين ميقات لهم من جدة نفسها لكونها من مقتضى أصوله ونصوصه" فهو قول باطل. لأن الله اكمل الدين في حياة رسوله صلى الله عليه وسلم وانتهى التشريع بوفاته كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (٢) المائدة الآية (٣) وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (٣) مريم الآية (٦٤) وإنه ليترتب على هذا القول أمور كثيرة خطيرة.

وبناء على ما تقدم وبعد الرجوع إلى الأدلة وما ذكره أهل العلم في المواقيت المكانية ومناقشة الموضوع من جميع جوانبه فإن المجلس يقرر بالإجماع ما يلي:

١ - إن الفتوى الصادرة من فضيلة الشيخ / عبد الله بن زيد آل محمود رئيس المحاكم الشرعية والشئون الدينية بقطر الخاصة بجواز جعل جدة ميقاتا لركاب الطائرات الجوية والسفن البحرية فتوى باطلة لعدم استنادها إلى نص من كتاب الله أو سنة رسوله أو إجماع سلف الأمة. ولم يسبقه إليها أحد من علماء المسلمين الذين يعتد بأقوالهم.


(١) صحيح البخاري الحج (١٥٢٤)، صحيح مسلم الحج (١١٨١)، سنن النسائي مناسك الحج (٢٦٥٤)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢٥٢)، سنن الدارمي المناسك (١٧٩٢).
(٢) سورة المائدة الآية ٣
(٣) سورة مريم الآية ٦٤