للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأجيب بأنها دلت على الأمر بتفريق الطلاق، ولا مانع من دلالتها على الإلزام به من جهة أخرى إذا وقع على غير الوجه المأمور به.

واعترض أيضا بأن قوله تعالى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (١) بين المراد من آية الاستدلال، وأن الطلاق إنما يكون للعدة، فمتى خالف ذلك لم يقع طلاقه.

وأجيب بأنا نثبت حكم كل من الآيتين فنثبت بآية {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (٢) أن الطلاق المسنون ما كان للعدة ونثبت بآية {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (٣) أن من طلق لغير العدة أو جمع بين الثلاث لزمه ما فعل، وبذلك تكون قد أخذنا بحكم كل من الآيتين، على أن آخر آية الطلاق للعدة وهو قوله تعالى {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} (٤) الآية، يدل على وقوع الطلاق لغير العدة، فإنه لو لم يلزمه لم يكن ظالما لنفسه بإيقاعه ولا بطلاقه، كما أن قوله تعالى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (٥). يدل على ذلك، وسيأتي لهذا زيادة بيان في الدليل الثاني -إن شاء الله.

واعترض أيضا بأن الزوج لو وكل من يطلق طلاقا مفرقا على الأطهار فجمع الثلاث في طهر لم يقع لكونه غير مأمور به فكذا الزوج، وأجيب بالفرق بينهما، فإن الزوج يملك الطلاق الثلاث، وإيقاعه على غير الوجه المشروع لا يمنع من إلزامه به كالظهار والردة، أما الوكيل فلا يملك من الطلاق إلا ما ملكه موكله، ولا يملك إيقاعه إلا على الوجه الذي وصفه له موكله، إذ هو معبر عن موكله وتلزمه حقوق ما يوقعه (٦)، وسيأتي لهذا مزيد بحث، واستدل أيضا بعموم قوله تعالى في الآية: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (٧) على أنه يتناول إيقاع الثلاث دفعة، وأجيب عن وجوه الاستدلال بالآية:

أولا: بأن تسريح المطلقة طلاقا رجعيا بإحسان تركها بلا مضارة لها حتى تنقضي عدتها، لإطلاقها مرة أخرى قبل رجعتها، وما روي مرفوعا من تفسير التسريح بالإحسان بطلاقها الثالثة فمرسل.

ثانيا: بأن من العلماء من فرق بين إيقاع الطلاق مفرقا في طهر أو مجموعا وبين إيقاعه مفرقا في أطهار دون سبق رجعة، وإيقاعه مفرقا في أطهار مع سبق كل برجعة، فدعوى عدم الفرق مخالفة للواقع.

ثالثا: بأن الله جعل الطلاق إلى الزوج لكن على أن يوقعه مفرقا مرة بعد مرة على صفة خاصة، ولم يشرع سبحانه إيقاع الطلاق ثلاثا جملة حكمة في تشريعه ورحمة بعباده، فإيقاعه ثلاثا مجموعة مخالف لأمر الله وشرعه، وأما قياس الثلاث مجموعة على الظهار فيبطل قولكم، ويثبت قول مخالفيكم، فإن الله لم يلزم المظاهر بما التزم من تحريم زوجته، وجعلها كأمه أو أخته مثلا بل لم تزل زوجته، وعاقبه بشيء آخر على جريمة الظهار هو الكفارة، فإذا أدى ما شرع من الكفارة حلت له مماستها، فمقتضى قياسكم أن لا يلزم بشيء من الثلاث، ويعاقب بأمر آخر على جريمة الجمع بين الثلاث، وكذا القول في قياسكم جمع الثلاث على الردة، وإذا ليست الآية دليلا على إلزام الثلاث أو الثنتين إذا أوقعها مجموعة، بل تدل على خلافه.


(١) سورة الطلاق الآية ١
(٢) سورة الطلاق الآية ١
(٣) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٤) سورة البقرة الآية ٢٣٠
(٥) سورة الطلاق الآية ٢
(٦) ص - من البحث.
(٧) سورة البقرة الآية ٢٢٩